كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد

عن اتخاذ المساجد على القبور؛ لأنها هي التي أوقعت كثيرا من الأمم إما في الشرك الأكبر أو فيما دونه من الشرك. فإن النفوس قد أشركت بتماثيل الصالحين، وتماثيل يزعمون أنها طلاسم الكواكب ونحو ذلك؛ فإن الشرك بقبر الرجل الذي يُعتقد صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك بخشبة أو حجر. ولهذا تجد أهل الشرك يتضرعون عندها، ويخشعون ويخضعون، ويعبدون بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في بيوت الله ولا وقت السحر، ومنهم من يسجد لها، وأكثرهم يرجون من بركة الصلاة عندها والدعاء ما لا يرجونه في المساجد؛ فلأجل هذه المفسدة حسم النبي صلي الله عليه وسلم مادتها، حتى نهى عن الصلاة في المقبرة مطلقا، وإن لم يقصد المصلي بركة البقعة بصلاته، كما يقصد بصلاته بركة المساجد، كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس وغروبها؛ لأنها أوقات يقصد فيها المشركون الصلاة للشمس، فنهى أمته عن الصلاة حينئذ وإن لم يقصد ما قصده المشركون; سدا للذريعة. وأما إذا قصد الرجل الصلاة عند القبور متبركا بالصلاة في تلك البقعة فهذا عين المحادّة لله ولرسوله، والمخالفة لدينه، وابتداع دين لم يأذن به الله؛ فإن المسلمين قد أجمعوا على ما علموه بالاضطرار من دين الرسول صلي الله عليه وسلم أن الصلاة عند القبور منهي عنها، وأنه صلي الله عليه وسلم لعن من اتخذها مساجد، فمن أعظم المحدثات وأسباب الشرك: الصلاة عندها واتخاذها مساجد، وبناء المساجد عليها. وقد تواترت النصوص عن النبي صلي الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك والتغليظ فيه. وقد صرح عامة الطوائف بالنهي عن بناء المساجد عليها متابعة منهم للسنة الصحيحة الصريحة. وصرح أصحاب أحمد وغيرهم من أصحاب مالك والشافعي بتحريم ذلك. وطائفة أطلقت الكراهة والذي ينبغي أن تحمل على كراهة التحريم; إحسانا للظن بالعلماء، وأن لا يظن بهم أن يجوزوا فعل ما تواتر عن رسول الله صلي الله عليه وسلم لعن فاعله والنهي عنه" اهـ كلامه رحمه الله تعالى.
قوله: "ولهما عنها- أي عن عائشة رضي الله عنها- قالت: " لما نُزل برسول الله صلي الله عليه وسلم طَفِق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها فقال - وهو كذلك -: لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا. ولولا ذلك أبرز

الصفحة 232