كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد

أن يفعلوه معه صلي الله عليه وسلم ومع الصالحين من أمته- قد فعله الخلق الكثير من متأخري هذه الأمة، واعتقدوه قربة من القربات، وهو من أعظم السيئات والمنكرات، وما شعروا أن ذلك محادة لله ورسوله.
قال القرطبي في معنى الحديث: " وكل ذلك لقطع الذريعة المؤدية إلى عبادة من فيها كما كان السبب في عبادة الأصنام". انتهى.
إذ لا فرق بين عبادة القبر ومن فيه وعبادة الصنم، وتأمل قول الله تعالى عن نبيه يوسف بن يعقوب حيت قال: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} 1 نكرة في سياق النفي تعم كل شرك. قوله: "ولولا ذلك" أي ما كان يحذر من اتخاذ قبر النبي صلي الله عليه وسلم مسجدا لأبرز قبره، وجعل مع قبور الصحابة الذين كانت قبورهم في البقيع.
قوله: "غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا" روي بفتح الخاء وضمها، فعلى الفتح يكون هو الذي خشي ذلك صلي الله عليه وسلم وأمرهم أن يدفنوه في المكان الذي قبض فيه. وعلى
ولمسلم: عن جندب بن عبد الله قال: سمعت النبي صلي الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس
رواية الضم يحتمل أن يكون الصحابة هم الذين خافوا أن يقع ذلك من بعض الأمة، قلم يبرزوا قبره، خشية أن يقع ذلك من بعض الأمة غلوا وتعظيما بما أبدى وأعاد من النهي والتحذير منه ولعن فاعله.
قال القرطبي: " ولهذا بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر النبي صلي الله عليه وسلم فأعلوا حيطان تربته وسدوا المداخل إليها، وجعلوها محدقة بقبره صلي الله عليه وسلم ثم خافوا أن يتخذ موضع قبره قبلة إذا كان مستقبل المصلين، فتصور الصلاة إليه بصورة العبادة، فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلثة من ناحية الشمال حتى لا يمكنوا أحدا من استقبال قبره". 2 انتهى
__________
1 سورة يوسف آية: 38.
2 وكان هذا الوضع قد جعل القبر لاصقا بالجدار الذي فيه باب جبريل، ولكن قد أزيل هذا الوضع وأخلي حول القبر من جهاته الأربع, وأصبح كثير من المصلين يستقبلونه ممن يكون في الموضع الخاص بالأغوات, وفي المكان الخاص بالنساء, وأصبح عرضة لأن يطاف به. وقد رأيت كثيرا من العامة يطوفون به، ويحاولون التمسح به لولا منع الجند الذين خصصتهم الحكومة السعودية لذلك المنع، ومهما حرص الجند على أداء وظيفتهم، فلن يمكنهم ولا أي قوة أن تمنع هذا منعا باتا, اللهم إلا العلم الذي ينير قلوب الجمهور الإسلامي ويعرفهم حقيقة محبة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنها إنما تكون بإتباع دينه كما كان أصحابه -رضي الله عنهم- يفعلون, وهم أشد الناس حبا لله ولرسوله. وأن يعود الناس إلى الأمر الأول الذي كان عليه السلف الصالح في كل شئونهم, فعند ذلك لا حاجة لجند ولا قوة. والله يهدي الناس إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم.

الصفحة 234