كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد

"روى مالك في الموطأ أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد; اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " 1".
هذا الحديث رواه مالك مرسلا عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: الحديث ". ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم به، ولم يذكر عطاء. ورواه البزار عن زيد عن عطاء عن أبي سعيد الخدري مرفوعا.
وله شاهد عند الإمام أحمد بسنده عن سهيل ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رفعه: " اللهم لا تجعل قبري وثنا، لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " 2 قوله: "روى مالك في الموطأ" هو الإمام مالك بن أنس بن مالك ابن أبي عامر ابن عمرو الأصبحي، أبو عبد الله المدني، إمام دار الهجرة وأحد الأئمة الأربعة، وأحد المتقنين للحديث، حتى قال البخاري: " أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر". مات سنة تسع وسبعين ومائة. وكان مولده سنة ثلاث وتسعين. وقيل: أربع وتسعين.
وقال الواقدي: بلغ تسعين سنة.
قوله: "اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد" قد استجاب الله دعاءه كما قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-:
فأجاب رب العالمين دعاءه ... وأحاطه بثلاثة الجدران
حتى غدت أرجاؤه بدعائه ... في عزة وحماية وصيان
ودل الحديث على أن قبر النبي صلي الله عليه وسلم لو عبد لكان وثنا، لكن حماه الله تعالى بما حال بينه وبين الناس فلا يوصل إليه. ودل الحديث على أن الوثن هو ما يباشره العابد من القبور والتوابيت التي عليها. وقد عظمت الفتنة بالقبور لتعظيمها وعبادتها، كما قال
__________
1 في قرة العيون: وذلك أنه صلى الله عليه وسلم خاف أن يقع في أمته في حقه، كما وقع من اليهود والنصارى في حق أنبيائهم من عبادتهم من دون الله، وسبب ذلك الغلو فيها كما قال تعالى: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل) . وكذلك رغب صلى الله عليه وسلم إلى ربه أن لا يجعل قبره وثنا يعبد, وقد عبدت القبور بأنواع العبادة كما لا يخفى, وتقدم في حديث عائشة -رضي الله عنها- "ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا". وقد استجاب الله دعوة نبيه صلى الله عليه وسلم وصان قبره، وأحاطه بثلاثة جدران.
2 صحيح. مالك في الموطأ (رقم 85) في قصر الصلاة في السفر: باب جامع الصلاة. عن عطاء بن يسار مرسلا. وابن أبي شيبة (3/ 345) عن زيد بن أسلم مرسلا. ووصله أحمد في المسند (2/ 246) من حديث أبي هريرة ووصله البزار (440- كشف الأستار) من حديث أبي سعيد الخدري. وصححه الألباني في تحذير الساجد (ص 18 , 19) .

الصفحة 245