كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد

عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير، وينشأ فيها الصغير، تجري على الناس يتخذونها سنة، إذا غُيّرت قيل: غيرت السنة "1 انتهى.
ولخوف الفتنة نهى عمر عن تتبع آثار النبي صلي الله عليه وسلم.
قال ابن وضاح: سمعت عيسى بن يونس يقول: " أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي صلي الله عليه وسلم "2 3 فقطعها؛ لأن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحتها; فخاف عليهم الفتنة".
وقال المعرور بن سويد: "صليت مع عمر بن الخطاب بطريق مكة صلاة الصبح. ثم رأى الناس يذهبون مذاهب، فقال: أين يذهب هؤلاء؟ فقيل: يا أمير المؤمنين، مسجد صلى فيه النبي صلي الله عليه وسلم فهم يصلون فيه، فقال: إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا، كانوا يتتبعون آثار أنبيائهم ويتخذونها كنائس وبيعا، فمن أدركته الصلاة في هذه المساجد فليصل، ومن لا فليمض ولا يتعمدها".
وفي مغازي ابن إسحاق من زيادات يونس بن بكير عن أبي خلدة خالد بن دينار. حدثنا أبو العالية قال: "لما فتحنا تستر وجدنا في بيت مال الهرمزان سريرا عليه رجل ميت، عند رأسه مصحف، فأخذنا المصحف فحملناه إلى عمر; فدعا له كعبا فنسخه بالعربية، فأنا أول رجل قراه من العرب، قرأته مثل ما أقرأ القرآن. فقلت لأبي العالية: ما كان فيه؟ قال: سيرتكم وأموركم ولحون كلامكم وما هو كائن بعد. قلت: فماذا صنعتم بالرجل؟ قال: حفرنا له بالنهار ثلاثة عشر قبرا متفرقة. فلما كان الليل دفناه وسوينا القبور كلها لنُعميّه على الناس لا ينبشونه. قلت: وما يرجون منه؟ قال: كانت السماء إذا حبست عنهم برزوا بسريره فيمطرون. فقلت: من كنتم تظنون الرجل؟ قال: رجل يقال له: دانيال. فقلت: منذ كم وجدتموه مات؟ قال: منذ ثلاثمائة سنة. قلت: ما كان تغيّر منه شيء؟ قال: لا، إلا شعيرات
__________
1 صحيح. أخرجه الدارمي (1/ 60) . والحاكم (4/ 514) ، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (1/ 188) . وصححه الألباني في صلاة التراويح ص (50) . وقال: وهذا الأثر وإن كان موقوفا فهو في حكم الرفع؛ لأن ما فيه من التحدث عن أمور غيبية لا تقال إلا بالوحي، فهو من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم فقد تحققت كل جملة فيه.. والحديث في مصادره مطول وقد اختصر هنا المصنف.
2 قال الحافظ في الفتح (7/ 448) : "وجدت عند ابن سعد بإسناد صحيح عن نافع أن عمر بلغه أن قوما يأتون الشجرة فيصلون عندها فتوعدهم ثم أمر بقطعها فقطعت" اهـ.
3 كان ذلك في صلح الحديبية. وهي الشجرة التي ذكرها الله تعالى في سورة الفتح: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) ; وذلك حين أشاع الناس أن عثمان بن عفان قتلته قريش حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم سفيرا بينه وبين قريش, فقال: لا نبرح حتى نناجز القوم, ودعا رسول الله الناس إلى البيعة، فكانت بيعة الرضوان على الموت, وكان المبايعون ألفا وأربعمائة, ثم أتى رسول الله أن الذي كان من أمر عثمان باطل. والقصة رواها البخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب السير والمغازي.

الصفحة 246