كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد

من قفاه، إن لحوم الأنبياء لا تبليها الأرض 1.
{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} قال ابن القيم -رحمه الله-: " ففي هذه القصة ما فعله المهاجرون والأنصار -رضي الله عنهم- من تعمية قبره لئلا يفتتن به، ولم يبرزوه للدعاء عنده والتبرك به; ولو ظفر به المتأخرون لجالدوا عليه بالسيف ولعبدوه من دون الله".
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: وهو إنكار منهم لذلك; فمن قصد بقعة يرجو الخير بقصدها ولم يستحب الشارع قصدها- فهو من المنكرات، وبعضه أشد من بعض، سواء قصدها ليصلي عندها أو ليدعو عندها، أو ليقرأ عندها أو ليذكر الله عندها، أو لينسك عندها بحيث يخص تلك البقعة بنوع من العبادة التي لم يشرع تخصيصها به لا نوعا ولا عينا، إلا أن ذلك قد يجوز بحكم الاتفاق لا لقصد الدعاء فيها، كمن يزورها ويسلم عليها، ويسأل الله العافية له وللموتى، كما جاءت به السنة. وأما تحري الدعاء عندها بحيث يستشعر أن الدعاء هناك أجوب منه في غيره، فهذا هو المنهي عنه. انتهى ملخصا.
قوله: "اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" فيه تحريم البناء على
__________
1 ذكرها الطبري (ج 4 ص 220) في حوادث سنة 17 قال: قيل لأبي سبرة هذا جسد دانيال في هذه المدينة. قال: وما لنا بذلك؟ فأقره بأيديهم، ثم ذكر خبر دانيال وسبي بختنصر له من بيت المقدس وموته بالسوس; فكان هنالك يستسقى بجسده, فلما فتحها المسلمون أتوا به فأقروه في أيديهم; حتى إذا ولى أبو سبرة عنهم إلى جندي سابور أقام أبو موسى بالسوس، وكتب إلى عمر فيه. إلخ القصة. وقد ذكرها أبو عبيد في الأموال ص 343 رقم 876 عن قتادة قال: "لما فتحت السوس وعليهم أبو موسى الأشعري وجدوا دانيال في إبرن, وإذا إلى جانبه مال موضوع وكتاب فيه: من شاء أتى فاستقرض منه إلى أجل, فإن أتى به إلى ذلك الأجل وإلا برص. فكتب إليه عمر: كفنه وحنطه وصل عليه ثم ادفنه كما دفنت الأنبياء صلوات الله عليهم. وانظر ماله فاجعله في بيت مال المسلمين. قال: فكفنه في قباطي بيض وصلى عليه ودفنه". وقال البلاذري: ص 371 "ورأى أبو موسى في قبلتهم بيتا وعليه ستر فسأل عنه فقيل: إن فيه جثة دانيال النبي, فإنهم كانوا أقحطوا, فسألوا أهل بابل دفعه إليهم ليستسقوا به ففعلوا. وكان بختنصر سبى دانيال وأتى به إلى بابل فقبض بها. فكتب أبو موسى بذلك إلى عمر, فكتب إليه عمر أن كفنه وادفنه. فسكر أبو موسى نهرا حتى إذا انقطع دفنه ثم أجرى الماء عليه".

الصفحة 247