كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
قوله: " فيستبيح بيضتهم" قال الجوهري: بيضة كل شيء حوزته. وبيضة القوم ساحتهم، وعلى هذا فيكون معنى الحديث: أن الله تعالى لا يسلط العدو على كافة المسلمين حتى يستبيح جميع ما حازوه من البلاد والأرض، ولو اجتمع عليهم من بأقطار الأرض وهي جوانبها. وقيل: بيضتهم معظمهم وجماعتهم، وإن قلوا.
قوله: " " حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا ". والظاهر أن "حتى" عاطفة، أو تكون لانتهاء الغاية، أي إن أمر الأمة ينتهي إلى أن يكون بعضهم يهلك بعضا. وقد سلط بعضهم على بعض كما هو الواقع، وذلك لكثرة اختلافهم وتفرقهم.
قوله: " " وإن ربي قال: يا محمد، إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد " قال بعضهم: أي إذا حكمت حكما مبرما نافذا فإنه لا يرد بشيء، ولا يقدر أحد على رده، كما قال النبي صلي الله عليه وسلم: " ولا راد لما قضيت " 1.
قوله: "رواه البرقاني في صحيحه" هو الحافظ الكبير أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي الشافعي، ولد سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، ومات سنة خمس وعشرين وأربعمائة. قال الخطيب: " كان ثبتا ورعا، لم نر في شيوخنا أثبت منه، عارفا بالفقه كثير التصانيف، صنف مسندا ضمنه ما اشتمل عليه الصحيحان. وجمع حديث الثوري وحديث شعبة وطائفة".
وهذا الحديث رواه أبو داود بتمامه بسنده إلى أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " إن الله - أو قال: إن ربي - زوى لي الأرض فأريت مشارق الأرض ومغاربها، وأن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها، وأُعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض، وإني سألت لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة2 ولا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال لي:
__________
1 جزء من حديث أخرجه الطبراني بسند صحيح كما قال الحافظ في فتح الباري (11/513) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه. وأصل الحديث في صحيح البخاري بدون هذا الجزء. البخاري: كتاب القدر (6615) : باب لا مانع لما أعطى الله.
2 الذي في سنن أبي داود (ج4 ص15) مع شرح عون المعبود - وهي طبعة هندية مصححة بدقة- "بسنة بعامة". وقال في عون المعبود: وفي رواية مسلم: "بسنة بعامة" في باب الفتن.
الصفحة 270
518