كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد

يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، ولا أهلكهم بسنة عامة، ولا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها - أو قال: بأقطارها - حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، وحتى يكون بعضهم يسبي بعضا، وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى يلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق- قال ابن عيسى: ظاهرين ثم اتفقا- لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله تعالى " 1.
وروى أبو داود أيضا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: " تدور رَحَى الإسلام لخمس وثلاثين; أو ست وثلاثين، أو سبع وثلاثين، فإن يهلكوا فسبيل من هلك، وإن يقم لهم دينهم يقم سبعين عاما، قال: قلت: أمِمّا بقي أو مما مضى؟ قال: مما مضى " 32.
وروى في سننه أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " يتقارب الزمان وينقص العلم; وتظهر الفتن، ويلقى الشح; ويكثر الهرج، قيل: يا رسول الله أيّهْ هو؟ قال: القتل القتل " 4.
قوله: " وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين " أي الأمراء والعلماء والعباد فيحكمون فيهم بغير علم فيضلونهم، 5 كما قال تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} 6. وكان بعض هؤلاء يقول لأصحابه: من كان له حاجة فيأت إلى قبري فإني أقضيها له، ولا خير في رجل يحجبه عن أصحابه ذراع من تراب، ونحو هذا. وهذا
__________
1 قال في عون المعبود: إسناده صحيح.
2 صحيح. أبو داود: كتاب الفتن والملاحم (4254) : باب ذكر الفتن ودلائلها. وأحمد أيضا (1/390,393) . وصححه الألباني في الصحيحة (974) وصحيح الجامع (2931) .
3 قال الحافظ أبو الحجاج يوسف المزي في كتاب الأطراف: وأخرجه البخاري في الصحيح في الأدب وفي الفتن; ومسلم في القدر, وأبو داود في الفتن.
4 صحيح أبو داود: كتاب الفتن والملاحم (4255) : باب ذكر الفتن ودلائلها وهذا تقصير. (*) فالحديث أخرجه البخاري: كتاب الفتن (7061) : باب ظهور الفتن. ومسلم: كتاب العلم (11) (57) : باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان.
5 في قرة العيون: كما قال تعالى: (6: 119) (وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين) وقال: (71: 37) (ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين) . وأمثال هذه الآيات كثير, وعن زياد بن حدير قال: قال لي عمر: "هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ قلت: لا, قال: يهدمه زلة العالم, وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين". رواه الدارمي.
6 سورة الأحزاب آية: 67.

الصفحة 271