كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد

" خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " 1 رواه أحمد والترمذي، وعنه أيضا مرفوعا: " يصاح برجل من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلا، كل سجل منها مد البصر، ثم يقال: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول لا يا رب. فيقال: أفلك عذر أو حسنة؟ فيهاب الرجل فيقول: لا، فيقال: بلى إن لك عندنا حسنة وأنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات، فيقال إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة " رواه الترمذي وحسنه. والنسائي وابن حبان والحاكم. وقال: صحيح على شرط مسلم، وقال الذهبي في تلخيصه: صحيح 2.
قال ابن القيم - رحمه الله -: "فالأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، فتكون صورة العملين واحدة وبينهما من التفاضل كما بين السماء والأرض. قال: وتأمل حديث البطاقة التي توضع في كفة ويقابلها تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر، فتثقل البطاقة وتطيش السجلات، فلا يعذب. ومعلوم أن كل موحد له هذه البطاقة وكثير منهم يدخل النار بذنوبه".
قوله: "رواه ابن حبان والحاكم" ابن حبان اسمه محمد بن حبان - بكسر المهملة وتشديد الموحدة - ابن أحمد بن حبان بن معاذ، أبو حاتم التميمي البستي الحافظ صاحب التصانيف: كالصحيح، والتاريخ، والضعفاء، والثقات وغير ذلك. قال الحاكم: كان من أوعية العلم في الفقه واللغة والحديث والوعظ، ومن عقلاء الرجال. مات سنة أربع وخمسين وثلاثمائة بمدينة بست - بضم الموحدة وسكون المهملة -.
رواه ابن حبان والحاكم وصححه.
وللترمذي - وحسنه - عن أنس: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة " 3.
وأما الحاكم فاسمه محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري أبو عبد الله الحافظ، ويعرف بابن البيع، ولد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وصنف التصانيف، كالمستدرك وتاريخ نيسابور وغيرهما، ومات سنة خمس وأربعمائة.
__________
1 الترمذي: الدعوات (3585) .
2 صحيح: الترمذي: كتاب الإيمان (2639) : باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله، وقال حسن غريب. وابن ماجة: كتاب الزهد (4300) : باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة، وابن حبان (2524 - موارد) ، والحاكم (1/6) , (2/188 , 189) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. قال الألباني في الصحيحة (1/213) : "وهو كما قالا" اهـ. والحديث ليس في سنن النسائي كما عزاه المؤلف وراجع تحفة الأشراف (6/342) .
3 صحيح: الترمذي: كتاب الدعوات (3540) : باب فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله لعباده. وقال الترمذي: حديث حسن غريب. والحديث صحيح لشواهده الكثيرة، وقد شرحه العلامة ابن رجب في جامع العلوم والحكم "الحديث الثاني والأربعين" وقد أفردناه بالشرح والتحقيق وأسميناه أسباب المغفرة فليراجع التخريج هناك.

الصفحة 52