كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد

معاذا إلى اليمن قال: إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله " - وفي رواية: إلى أن يوحدوا الله - " فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " أخرجاه1.
قال الحافظ: كان بعث معاذ إلى اليمن سنة عشر، قبل حج النبي صلي الله عليه وسلم، كما ذكره المصنف - يعني البخاري في أواخر المغازي - وقيل: كان ذلك في آخر سنة تسع عند منصرفه صلي الله عليه وسلم من تبوك.
رواه الواقدي بإسناده إلى كعب بن مالك. وأخرجه ابن سعد في الطبقات عنه، واتفقوا على أنه لم يزل على اليمن إلى أن قدم في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، ثم توجه إلى الشام فمات بها.
قال شيخ الإسلام: ومن فضائل معاذ رضي الله عنه أنه صلي الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن مبلغا عنه، ومفقها ومعلما وحاكما.
قوله: " إنك تأتي قوما من أهل الكتاب " قال القرطبي: "يعني به اليهود والنصارى، لأنهم كانوا في اليمن أكثر من مشركي العرب أو أغلب، وإنما نبهه على ذلك ليتهيأ لمناظرتهم.
وقال الحافظ: هو كالتوطئة للوصية لجمع همته عليها".
قوله: " فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله " 2 "شهادة" رفع على أنه اسم "يكن" مؤخر. و "أول" خبرها مقدم. ويجوز العكس.
__________
1 البخاري: كتاب المغازي (4347) : باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع. ومسلم: كتاب الإيمان (19) (29) : باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام.
2 في قرة العيون: وكانوا يقولونها لكنهم جهلوا معناها الذي دلت عليه من إخلاص العبادة لله وحده وترك عبادة ما سواه, فكان قولهم "لا إله إلا الله " لا ينفعهم لجهلهم بمعنى هذه الكلمة، كحال أكثر المتأخرين من هذه الأمة, فإنهم كانوا يقولونها مع ما كانوا يفعلونه من الشرك بعبادة الأموات والغائبين والطواغيت والمشاهد، فيأتون بما ينافيها فيثبتون ما نفته من الشرك باعتقادهم وقولهم وفعلهم, وينفون ما أثبتته من الإخلاص كذلك, وظنوا أن معناها القدرة

الصفحة 82