كتاب أحكام المجاهد بالنفس في سبيل الله عز وجل في الفقه الإسلامي

الفرع الأول
القصاص (¬1) من المجاهد في النفس
اتفق الفقهاء رحمهم الله تعالى فيما أعلم أن المجاهد إذا قتل نفسا مسلمة معصومة مكافئة له في الحرية عمدا بما يقتل غالبا وليس المقتول ابنًا له، وكان ذلك في دار الإسلام، فإنه يقتص منه، كغيره ممن يفعل ما يوجب قصاصا في النفس.
جاء في رحمة الأمة: (اتفقوا على أن من قتل نفسا مسلمة مكافئة له في الحرية ولم يكن المقتول ابنًا للقاتل، وكان في قتله له عمدًا وجب عليه القود) (¬2) .
واختلفوا في سقوط القصاص في النفس عن المجاهد إذا كان في أرض العدو إلى قولين:
القول الأول: أنه يقتص منه ولا يسقط عنه القصاص لكونه في أرض العدو، وبهذا قال المالكية (¬3) والشافعية (¬4) والحنابلة (¬5) وابن جزم (¬6) .
واستدلوا بما يلي:
1- عموم الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب القصاص في النفس.
¬_________
(¬1) القصاص في اللغة، مشتق من قص، الذي هو أصل في تتبع الشيء، ومنه اقتصصت الأثر إذا تتبعته قال تعالى: {فارتدا على آثارهما قصصا} [الكهف: 64] ثم غلب استعمال القصاص في قتل القاتل وجرح الجارح وقطع القاطع. انظر: معجم مقاييس اللغة ... (5/11) مادة (قص) ولسان العرب (7/76) مادة (قصص) والقاموس المحيط (فصل القاف) ص (627) والمصباح المنير ص (506) مادة (قص) وفي الاصطلاح: أن يفعل المجني عليه، أو وليه بالجاني مثل ما فعل، انظر: المطلع على أبواب المقنع ص (359) والتعريفات للجرجاني ص (225) .
(¬2) رحمة الأمة ص (460) وانظر كذلك زبدة الأحكام لسراج الدين الهندي ص (275) والإجماع لابن المنذر ص (102) .
(¬3) الكافي في فقه أهل المدينة (1/470) ومواهب الجليل لشرح مختصر خليل (4/551) والذخيرة (3/411) .
(¬4) الأم (4/248) وحلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء للقفال (7/671) .
(¬5) المغني (13/72) والشرح الكبير لشمس الدين أبي الفرج (5/181) .
(¬6) المحلى بالآثار (10/239) .

الصفحة 591