كتاب أحكام المجاهد بالنفس في سبيل الله عز وجل في الفقه الإسلامي

الفرع الثاني
القصاص من المجاهد فيما دون النفس
اتفق الفقهاء (¬1) رحمهم الله تعالى فيما أعلم أنه يقتص من المجاهد فيما دون النفس فيما يتأتى فيه القصاص إذا كان في دار الإسلام، كغيره ممن يفعل ما يوجب قصاصا فيما دون النفس.
جاء في رحمة الأمة: (اتفق الأئمة على أن الجروح قصاص في كل ما يتأتى فيه القصاص) (¬2) .
يدل على ذلك الكتاب، والسنة:
فمن الكتاب قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأنْفَ بِالأنْفِ وَالأذُنَ بِالأذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] .
ومن السنة حديث أنس - رضي الله عنه - (أن ابنه النضر (¬3) لطمت جارية (¬4) فكسرت ثنيتها، فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر بالقصاص) (¬5) .
¬_________
(¬1) المبسوط (26/135) والبناية على الهداية (12/138) والقوانين الفقهية لابن جزي ص (301) والفواكه الدواني (2/314) ومغني المحتاج (5/253) والإنصاف (10/14) والمحرر في الفقه (4/126) .
(¬2) رحمة الأمة ص (470)
(¬3) هي: الربيع بنت النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام الأنصارية، أخت أنس بن النضر، وعمة أنس بن مالك، وهي من بني عدي بن النجار، انظر: الإصابة (8/133) ت رقم (11173) وتهذيب الأسماء واللغات (2/344) ت رقم (737) .
(¬4) المراد بالجارية هنا: المرأة الشابة، لا الأمة الرقيقة. انظر: فتح الباري (12/277) .
(¬5) صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الديات، باب السن بالسن، ح رقم (6894) وفي رواية عند البخاري (أن أنسا حدثهم أن الربيع وهي ابنة النضر كسرت ثنية جارية، فطلبوا الأرضش وطلبوا العفو، فأبوا. فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرهم بالقصاص. فقال أنس بن النضر، أتكسر ثنيه الربيع يا رسول الله؟ لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها، فقال: يا أنس كتاب الله القصاص، فرضي القوم وعفوا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره.)
صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الصلح، باب الصلح في الدية، ح رقم (2703) وصحيح مسلم مع شرح النووي، كتاب القسامة باب إثبات القصاص في الأسنان، ح رقم ... (1675) إلا أن في رواية مسلم أن الجارية أخت الربيع والتي أقسمت أم الربيع، قال النووي: قال العلماء: المعروف رواية البخاري، ثم قال: إنهما قضيتان مختلفتان انظر: شرح صحيح مسلم (12/175) .

الصفحة 595