كتاب أحكام المجاهد بالنفس في سبيل الله عز وجل في الفقه الإسلامي

وفي لفظ لمسلم وقد بارز عامر ملك خيبر مرحبا، قال: (فاختلفتا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب عامر يسفل له (¬1) فرجع سيفه على نفسه فقطع أكحله (¬2) فكانت فيها نفسه، قال سلمة فخرجت فإذا نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقولون: بطل عمل عامر قتل نفسه، قال: فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي، فقلت: يا رسول الله بطل عمل عامر، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قال ذلك؟ قال: قلت: أناس من أصحابك، قال: كذب من قال ذلك، بل له أجره مرتين..) . (¬3)
وجه الدلالة: أن عامرا قتل نفسه خطأ، وهو يقاتل في سبيل الله، فلما فهم بعض الصحابة أن ذلك محبط للعمل، أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن عامرا مجاهد، وأن له الأجر مرتين فدل أن من قتل نفسه خطأ في المعركة شهيد.
2- وعن سلام عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أغرنا على حي من جهينة (¬4) فطلب رجل من المسلمين رجلا فضربه فأخطأه وأصاب نفسه بالسيف فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أخوكم يا معشر المسلمين» فابتدره الناس فوجدوه قد مات، فلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثيابه ودمائه وصلى عليه ودفنه، فقالوا: يا رسول الله أشهيد هو؟ قال: «نعم، وأنا له شهيد» ) (¬5) .
أما الحالة الثانية: أن يقتل نفسه عمدا.
اتفق الفقهاء (¬6) -رحمهم الله تعالى- أن قتل الإنسان نفسه عمدا فعل محرم، وكبيرة يستحق عليها العقاب الأخروي.
يدل على ذلك الكتاب والسنة:
فمن الكتاب قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء: 29، 30] .
¬_________
(¬1) أي: يضربه من أسفله. انظر: شرح صحيح مسلم للنووي (12/425) .
(¬2) الأكحل: عرق في وسط الذراع يكثر فصده. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر ... (4/134) .
(¬3) صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة ذي قرد، ح رقم 132 - (1807) جزء من حديث طويل.
(¬4) جهنية: علم في اسم أبي قبيلة من قضاعة. انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي ... (2/225) ت رقم (3382) .
(¬5) سبق تخريجه.
(¬6) شرح صحيح مسلم للنووي (1/483) وأحكام القرآن للجصاص (2/228) والجامع لأحكام القرآن (5/150) .

الصفحة 597