كتاب أحكام المجاهد بالنفس في سبيل الله عز وجل في الفقه الإسلامي

قال أهل التفسير: النهي في الآية يتناول من قتل نفسه عمدا (¬1) .
ومن السنة: عن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التقى هو والمشركون فاقتتلوا، فلما مال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل (¬2) لا يدع لهم شاذة ولا فاذة (¬3) إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقيل: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما إنه من أهل النار. فقال رجل (¬4)
من القوم: أنا صاحبه، قال: فخرج معه كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، قال: فجرح الرجل جرحا شديا، فاستعجل الموت، فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أشهد أنك رسول الله، قال: وما ذاك؟ قال الرجل ذكرت آنفا أنه من أهل النار، فأعظم الناس ذلك، فقلت: أنا لكم به، فخرجت في طلبه، ثم جرح جرحا شديدا فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: (إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدوا للناس وهو من أهل الجنة) (¬5) .
وفي رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (شهدنا خيبر (¬6) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لرجل ممن معه يدعي الإسلام: هذا من أهل النار، فلما حضر القتال قاتل الرجل أشد القتال حتى كثرت به الجراحة، فكاد بعض الناس يرتاب، فوجد الرجل ألم الجراحة فأهوى بيده إلى كنانته فاستخرج منها
¬_________
(¬1) أحكام القرآن للجصاص (2/228) والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (5/150) .
(¬2) قيل: اسمه قزمان الظفري، نسبه إلى بني ظفر بطن من الأنصار. انظر الإصابة (5/335) ت رقم (7123) .
(¬3) الشاذة: منفرد عن الجماعة والفاذة: مثله ما لم يختلظ بهم، والمعنى أنه لا يلقى شيئا إلا قتله. وقيل: المراد بالشاذ والفاذ ما كبر وصغر، وقيل: الشاذ الخارج والفاذ المنفرد انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (2/406) 3/378 وفتح الباري (7/600) .
(¬4) هو: أكثم بن الجون وقيل: ابن أبي الجون، واسمه عبد العزي بن منقذ بن ربيعة، انظر: أسد الغابة (1/133) ت رقم (217) والإصابة (1/258) ت رقم (240) ..
(¬5) صحيح البخاري مع الفتح، كتاب المغازي باب غزوة خيبر ح رقم (4203) ورقم (4207) وصحيح مسلم مع شرح النووي، كتاب الإيمان باب بيان غلط تحريم قتل الإنسان نفسه ح رقم (112) .
(¬6) الثابت أن أبا هريرة جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مسلما بعد فتح خيبر، فالمراد بقوله (شهدنا خيبر) أي جيشها من المسلمين. انظر: فتح الباري (7/601) .

الصفحة 598