كتاب أحكام المجاهد بالنفس في سبيل الله عز وجل في الفقه الإسلامي

المطلب الثالث
ضمان المجاهد قتل من تترس به العدو من المسلمين
اتفق الفقهاء (¬1) -رحمهم الله تعالى- فيما أعلم أن العدو إذا تترس بأسرى المسلمين في حال التحام القتال وإقبال العدو على الحرب وخوف المسلمين أن يحيط بهم العدو، أنه يجوز الرمي نحو الترس ويقصد بالرمي الكفار.
فإن قتل المجاهد أحدا من المسلمين الذين تترس بهم الكفار في هذه الحالة، فقد اختلف الفقهاء في ضمان دية المقتول ولزوم الكفارة (¬2) على المجاهد إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول: لا يلزم المجاهد دية ولا كفارة، وبهذا قال الحنفية (¬3) والمالكية إذا لم يعلم الرامي أن الترس من المسلمين (¬4) .

واستدلوا بما يلي:
1- عن بريدة - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمر أميرا على جيش قال له: ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبو، فاستعن بالله وقاتلهم) (¬5) .
وجه الدلالة: أن الحديث أفاد جواز محاربة العدو مطلقا وإن تترسوا بالمسلمين، وعلى هذا فالرمي يكون مباحا ولا يبقى على الرامي تبعة من كفارة أو دية (¬6) .
2- بأنه لما مست الضرورة لرفع المؤاخذة لإقامة فرض القتال، مست الضرورة إلى نفي الضمان، لأن وجوب الضمان يمنع إقامة الفرض خوفا من لزوم الضمان، وإيجاب ما يمنع من إقامة الواجب متناقض، وفرض القتال لم يسقط فدل على أن الضمان ساقط (¬7) .
¬_________
(¬1) المبسوط (10/65) وحاشية الدسوقي (2/178) والجامع لأحكام القرآن (16/244) والأم (4/244) والمغني (13/141) .
(¬2) مأخوذة من الكفر وهو: الستر، لأنها تغطي الذنب وتستره، انظر: المصباح المنير ص ... (535) .
وكفارة القتل هي: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، ولا إطعام فيها. انظر: شرح منتهى الإرادات (3/329) وكشاف القناع (5/54) .
(¬3) بدائع الصنائع (6/63) والمبسوط (10/65) .
(¬4) أحكام القرآن لابن العربي (4/139) والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/243) .
(¬5) سبق تخريجه.
(¬6) تبيين الحقائق (3/243) والجامع لأحكام القرآن (16/244) وقضايا فقهية في العلاقات الدولية ص (163) .
(¬7) بدائع الصنائع (6/63) .

الصفحة 603