كتاب فوائد أبي القاسم الحرفي رواية الثقفي
40- حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنْ أَبِي زُمَيْلٍ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حدثه قَالَ: لَمَّا اعْتَزَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نساءه، فَاعْتَزَلَهُنَّ فِي مَشْرَبَةٍ مِنْ خِزَانَتِهِ، قَالَ عُمَرُ: فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا النَّاسُ يَنْكُتُونُ بِالْحَصَى وَيَقُولُونَ: طَلَّقَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، فَقُلْتُ: لأَعْلَمَنَّ هَذَا الْيَوْمَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بِالْحِجَابِ، فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقُلْتُ: يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكِ أَنْ تُؤْذِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم! قالت: -[188]- مَا لِي وَمَا لَكَ يَا ابن الخطاب، عليك بابنتك، عَلَيْكَ بِعَيْبَتِكَ، فَأَتَيْتُ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ: يَا حَفْصَةُ، آللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لا يحبك، ولولا أنا لطلقك قال: فبكت أشد بكاء قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا: أَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: هُوَ فِي خِزَانَتِهِ، قَالَ: فَذَهَبْتُ، فَإِذَا أَنَا بِرَبَاحٍ غُلامِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قاعد على أسكفة الغرفة مدل رِجْلَيْهِ عَلَى نَقِيرٍ - يَعْنِي جِذْعًا منقورا - قلت: يَا رَبَاحُ، اسْتَأْذِنْ لِي عَلَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَنَظَرَ رَبَاحُ إِلَى الغرفة ثم نظر إلي فسكت قَالَ: فَرَفَعْتُ صَوْتِي فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ يَا رَبَاحُ لِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي أَظُنُّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَنَّ أَنِّي إِنَّمَا جِئْتُ مِنْ أَجْلِ حفصة، والله إن أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم [أَضْرِبَ] عُنُقَهَا لأَضْرِبَنَّ عُنُقَهَا، قَالَ: فنظر رَبَاحُ إِلَى الْغُرْفَةِ وَنَظَرَ إليَّ، ثم قال بيده هكذا، يعني أنه أَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ أَدْخُلَ، قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خِزَانَتِهِ، فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ، فإذا عليه إزاره، وجلس، وإذا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ بِجَنْبِهِ، وَقَلَّبْتُ عَيْنِي فِي خِزَانَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا غَيْرَ قَبْضَتَيْنِ مِنْ شَعِيرٍ، وَقَبْضَةٍ من قرظ نحو صاعين، وإذا أفيق معلق وأفيقان قَالَ: فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما يبكيك يا ابن الْخَطَّابِ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا لِي لا أَبْكِي وَأَنْتَ صَفْوَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَخِيرَتُهُ مِنْ خلقه، وهذه الأعاجم كِسْرَى -[189]- وَقَيْصَرَ فِي الثِّمَارِ وَالأَنْهَارِ، وأنت هكذا؟ قال: يا ابن الْخَطَّابِ، أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الآخِرَةَ وَلَهُمُ الدُّنْيَا؟! قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فأحمَدُ الله، قلَّما تكلمتُ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ تَصْدِيقَ قَوْلِي مِنَ السَّمَاءِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كنتَ طلقتَ نِسَاءَكَ، فَإِنَّ اللَّهَ مَعَكَ وَجِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَأَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَأَنْزَلَ الله: {فإن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مولاه وجبريل وصالح المؤمنين} إِلَى آخِرِ الآيَةِ قَالَ: فَمَا أخبرت ذَلِكَ نَبِيَّ اللَّهِ وَأَنَا أَعْرِفُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، حَتَّى جَعَلَ وَجْهُهُ يَتَهَلَّلُ وكشَر، فَرَأَيْتُ ثَغْرَهُ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ ثَغْرًا، فَقَالَ: أَجَلْ إِنِّي لَمْ أُطَلِّقْهُنَّ، قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَشَاعُوا أَنَّكَ قَدْ طَلَّقْتَ نِسَاءَكَ، فأخبُرِهم أَنَّكَ لَمْ تُطَلِّقْهُنَّ؟ قَالَ: إِنْ شئتَ فعلتَ، فقمتُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَقُلْتُ: أَلا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُطَلِّقْ نِسَاءَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي الَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِي وَشَأْنِهِ: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لعلمه الذين يستنبطونه منهم} قَالَ عُمَرُ: فَأَنَا الَّذِي اسْتَنْبَطَهُ مِنْهُمْ.
-[190]- صحيح، أخرجه مسلم عَنْ زهير بْن حرب عَنْ عمر بْن يُونُس عَنْ عكرمة بْن عمار.
الصفحة 187
392