كتاب تفسير سورة الفاتحة لابن رجب

تَرَكَ القراءةَ في رَكعةٍ من الصُّبحِ لم يُجزئْهُ، وإن تركَهَا في رَكعةٍ مِن غيرِها أجزَأهُ؛ وعن الثَّوريِّ وإسحاقَ بنِ راهُويه نحوُه، وحُكي عن الحسنِ بنِ صالحٍ والأصمِّ: أنَّ القراءةَ لا تجبُ في الصَّلاةِ.
والصَّحيحُ قولُ جُمهورِ العلماءِ، وهو: تعيين الفاتحة للصَّلاةِ دُونَ غيرِها، والدَّليلُ عليه: ما ثبتَ عن عُبادةَ بنِ الصَّامتِ، أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا صَلاة لمن لم يقرأ بفاتحةِ الكتابِ»، وفي لفظٍ: «بأمِّ القُرآنِ».
وتوجيهُ الدّلالة من هذا النصِّ يحتاجُ إلى تقريرِ مُقدِّمة، وهي: أنَّ الحقائقَ المنفيَّة نوعان:
أحدُهما: أن تكون لغويَّةً، ولا غرضَ لنا الآن في ذِكر هذا النوع وحُكمِه.
والثاني: أن تكون شرعيَّةً، كالصَّلاةِ وَالصِّيَامِ، ونحوِهما، وهو المقصودُ هاهنا بالذِّكر، فهذا إذا دخلَ عليه النَّفيُ لم يَكن مجمَلاً عندَ جمهورِ الفُقهاءِ؛ وذهبَ طائفةٌ مِن المتكلِّمين: إلى أنَّه مجملٌ، فلا يُستدلُّ به على نفي الصِّحَّة ولا وجودِها،

الصفحة 54