كتاب تفسير سورة الفاتحة لابن رجب

المحبَّة لها والرِّضا بها.
والحمدُ يكون على النِّعَم بالاتفاق، ويكونُ على غير النِّعَم أيضًا على المشهور من الأفعال الحسَنةً وإن لم تكن نعمًا على الحامد، بخلاف الشُّكر فإنَّه لا يكونُ إلاَّ على النِّعم، هذا هو المشهورُ.
ولكن التحقيق أنَّ جميعَ ما يفعلُه اللهُ سبحانه فهو نعمة أو فيه مِن النِّعمة ما يَستحق به الحمدَ والشُّكرَ، فإنَّ المصائبَ والأمراضَ كفاراتٌ وطَهُورٌ، فهي نعمةٌ، وإهلاكُ المكذِّبين وعُقوبةُ الكافِرين نِعمةٌ على المؤمنين يحصلُ لهم بها الاعتبارُ، ولهذا قال تعالى: {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] والآلاءُ: النِّعَمُ، قاله بعدَ ذِكر جهنمَ وغيرها.
وهل يُحمد على الذَّات والصِّفات اللازمة لها؟ فيه خلافٌ:
فمن النَّاس من قال: يُمدَحُ عليه ولا يُحمد، ذكره الرَّازيُّ في «تفسيره»، والصَّحيح أنَّه يُحمد عليها أيضًا، لأنّه مرجعُ الحمد وَفيها يجتمع، ولأنَّ تنعُّم العباد بما يتعلَّق بالذَّاتِ أعظمُ من تنعُّمِهم بالمخلوقات في الدُّنيا بالمعرفة والذِّكر والمحبَّة، وفي الآخرة بالرُّؤية والنَّظر، وقد قال تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا

الصفحة 63