كتاب الأحكام المترتبة على الحيض والنفاس والاستحاضة

تلافيًا لما فاتها، وجبرًا لانكسارها، ولو كان المقصود منه تطييب خاطرها فقط لَما احتاج إلى هذا التطويل، واكتفى بتعليمه المسألة إياها فقط، أو بإخبارها عن نفسه أنه لم يؤدِّ أفعالها مستقلَّة أيضًا، ولو أخبرها أنه لم يَطُفْ للعمرة أيضًا كما لم تَطُفْ لها لطابت نفسهَا ولآثرت موافقتها إياه في الأفعال على ألف عمرة، ولم ترفع إليها رأسًا أصلاً، فهذه قرائن أو دلائل على أنها كانت مُفرِدة قطعًا ولم تكن قارنة (¬1).
ويمكن أن يناقش: بأنَّ عائشة فهمت من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «يسعك طوافك لحجك وعمرتك» أنَّ عمرتها دخلت في حجِّها، وأنها تُجزَى عنها، ولكنها كانت تُريد عمرة مفردة كبقية أزواجه - صلى الله عليه وسلم -، فأمر عبد الرحمن أن يعمرها.
وأما القول بأنَّ الأمر لو كان كما ذكرنا لاكتفى بتعليمها فهذا عجب، وأيُّ تعليمٍ أصرح من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «يسعك طوافك لحجك وعمرتك»؟!
الوجه السابع: أنها لو كانت قارنة لقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنك قضيتِ حجِّك وعُمرتك، وكان الطواف الواحد لهما جميعًا»، ولكنه لم يقل ذلك ولم يرَها اعتمرت، فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يُخرِجَها إلى التنعيم ليُعمرها فترجع بعمرة وحجَّة كما رجع غيرها من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا آخر فعله عليه السلام في حجِّة الوداع، ولم نعلم شيئًا نسخه (¬2).
ونوقش: بأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: «يسعك طوافك لحجِّك وعمرتك» وهذا اللفظ كافٍ، وقد فهمته عائشة، وأما تحديد لفظة معينة فهذا تحكُّم.
الوجه الثامن: أنها لو كانت قارنة لَما أُمِرَت بالوقوف بعرفة قبل
¬_________
(¬1) حاشية الكيلاني القادري على كتاب الحجة (2/ 145).
(¬2) الحجة على أهل المدينة (2/ 146).

الصفحة 117