كتاب الأحكام المترتبة على الحيض والنفاس والاستحاضة

وأيضًا: فالاستدلال معارَض بما صحَّ عن عائشة أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: «ناوليني الخُمرة من المسجد» فقلت: إني حائض، قال: «إنَّ حيضتك ليست في يدك» (¬1).
وعن ميمونة قالت: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يضع رأسه في حجر إحدانا يتلو القرآن وهي حائض، وتقوم إحدانا بخمرته إلى المسجد فتبسطها وهي حائض» (¬2).
الوجه الثالث:
على فرض التسليم بأنها ممنوعة من دخول المسجد، فإنَّ هذا لا يحرم عليها عند الضرورة، فإنَّ لبثها في المسجد لضرورة جائز، كما لو خافت مَن يقتلها إذا لم تدخل المسجد، أو كان البرد شديدًا أو ليس لها مأوى إلاَّ المسجد (¬3).
فإذا احتاجت إلى الفعل استباحت المحظور، مع قيام سبب الحظر لأجل الضرورة، كما يُباح سائر المحرمات مع الضرورة من الدَّم والميتة ولحم الخنزير .. وكذلك الصلاة إلى غير القبلة مع كشف العورة، ومع النجاسة في البدن والثوب وهي محرمة أغلظ من غيرها وتُباح، بل تجب عند الحاجة (¬4).
وإذا كانت إنما منعت من الطواف لأجل المسجد، فمعلوم أن إباحة ذلك للعذر أولى من إباحة مسِّ المصحف للعذر، ولو كان لها مصحف، ولم يمكنها حفظه إلاَّ بمسه، مثل أن يريد أن يأخذه لصٌّ أو كافر، أو ينهبه أحد، ولم يمكنها منعه إلاَّ بمسِّه، لكان ذلك جائزًا لها، مع أنَّ المحدِث لا يمسُّ المصحف، ويجوز له الدخول في المسجد، فعُلِم أنَّ حُرمة المصحف أعظم من حرمة المسجد، وإذا أبيح لها مسُّ المصحف
¬_________
(¬1) سبق تخريجه.
(¬2) سبق تخريجه.
(¬3) مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 177).
(¬4) المصدر السابق (26/ 180).

الصفحة 123