كتاب الأحكام المترتبة على الحيض والنفاس والاستحاضة

الوجه الثاني: على فرض التسليم بأنَّ التحريم لذات الحيض فإنَّا نقول: إنها إذا احتاجت إلى الفعل استباحت المحظور مع قيام سبب الحظر، لأجل الضرورة، كما يُباح سائر المحرَّمات مع الضرورة من الدم والميتة ولحم الخنزير، وكذلك الصلاة إلى غير القبلة مع كشف العورة، ومع النجاسة في البدن والثوب، هي محرمة أغلظ من غيرها، وتُباح بل تجب مع الحاج.
ولا يمكن قياس مسألتنا على الصوم والصلاة؛ فإنَّ الحائض ليست محتاجة إلى الصوم في الحيض، فإنه يمكنها أن تصوم شهرًا آخر غير رمضان، فإذا كان المسافر والمريض مع إمكان صومهما جعل لهما أن يصوما شهرًا آخر، فالحائض الممنوعة من ذلك أولى أن تصوم شهرًا آخر، وإذا أُمِرت بقضاء الصوم لم تؤمر إلاَّ بشهرٍ واحد، فلم يجب عليها إلاَّ ما يجب على غيرها، ولهذا لو استحاضت فإنها تصوم مع الاستحاضة فإنَّ ذلك لا يمكن الاحتراز عنه، إذ قد تستحيض وقت القضاء.
وأمَّا الصَّلاة، فإنها تتكرَّر في كلِّ يومٍ وليلة خمس مرَّات، والحيض ممَّا يمنع الصلاة، فلو قيل: إنها تصلِّي مع الحيض لأجل الحاجة لم يكن الحيض مانعًا من الصلاة بحال، وكان يكون الصوم والطواف بالبيت أعظم حرمة من الصلاة، وليس الأمر كذلك بل كان من حرمة الصلاة أنها لا تصلِّي وقت الحيض، إذ كان لها في الصلاة أوقات الطهر غنية عن الصلاة وقت الحيض (¬1).
الدليل الرابع:
أنه لو كان طوافها مع الحيض ممكنًا لأُمِرت بطواف القدوم، وطواف الوداع، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أسقط طواف الوداع عن الحائض، وأمر
¬_________
(¬1) مجموع فتاوى ابن تيمية (26/ 183، 184).

الصفحة 125