كتاب الأحكام المترتبة على الحيض والنفاس والاستحاضة

لها أن تطوف مع الحيض إذا كانت قادرة على الطواف على الطهر، فما أعلم منازعًا أنَّ ذلك يحرم عليها وتأثم به (¬1).
وقد أطال ابن تيمية في الاستدلال لهذا القول الذي مال إليه، وقد ذكرنا جُملة منه في مناقشته لِما استدلَّ به الجمهور، ونعيد جملة منه على سبيل الاختصار:
فإنه قال:
إنَّ نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - للحائض عن الطواف بالبيت إمَّا أن يكون لأجل المسجد، لكونها منهية عن اللبث فيه، وفي الطواف لبث .. وإمَّا أن يكون لكون الطواف نفسه يحرم مع الحيض، كما يحرم على الحائض الصلاة والصوم (¬2).
فإن كان تحريمه للأول: لم يحرم عليها عند الضرورة، فإنَّ لبثها في المسجد أو كان البرد شديدًا، أو ليس لها مأوى إلاَّ المسجد (¬3).
فإذا احتاجت إلى الفعل استباحت المحظور، مع قيام سبب الحظر لأجل الضرورة، كما يباح سائر المحرمات مع الضرورة، من الدم والميتة ولحم الخنزير (¬4).
وإن كان المنع من الطواف لمعنى في نفس الطواف، كما منع من غيره، أو كان لذلك وللمسجد: كل منهما علَّة مستقلة.
فنقول: إذا اضطرت إلى ذلك بحيث لم يمكنها الحج بدون طوافها وهي حائض لتعذُّر المقام عليها إلى أن تطهر، فهذا الأمر دائر بين أن تطوف مع الحيض، وبين الضرر الذي ينافي الشريعة، فإنَّ إلزامها بالمقام إذا كان فيه خوف على نفسها ومالها، وفيه عجزها عن الرجوع إلى أهلها، وإلزامها المقام بمكة مع عجزها عن ذلك، وتضررها به، لا تأتي
¬_________
(¬1) مجموع الفتاوى (26/ 206).
(¬2) مجموع الفتاوى (26/ 176).
(¬3) المصدر السابق (26/ 177).
(¬4) المصدر السابق (26/ 178).

الصفحة 127