كتاب الأحكام المترتبة على الحيض والنفاس والاستحاضة

والوجه الثاني- كذلك لثلاثة أوجه:
أحدها: أنَّ الله لا يأمر أحدًا أن يبقى محرمًا إلى أن يموت، فالمحصر بعدوٍّ له أن يَحلل باتفاق العلماء، والمحصر بمرض أو فقر فيه نزاع مشهور، فمن جوَّز له التحلُّل فلا كلام فيه، ومن منعه التحلُّل قال: إنَّ ضرر المرض والفقر لا يزول بالتحلل، بخلاف حبس العدو؛ فإنه يستفيد بالتحلل الرجوع إلى بلده، وأباحوا له أن يفعل ما يحتاج إليه من المحظورات، ثم إذا فاته الحج تحلَّل بعمرة الفوات، فإذا صحَّ المريض ذهب، والفقير حاجته في إتمام سفر الحج كحاجته في الرجوع إلى وطنه، فهذا مأخذهم في أنه لا يتحلل، قالوا: لأنه لا يستفيد بالتحلُّل شيئًا، فإن كان هذا المأخذ صحيحًا، وإلاَّ كان الصحيح هو القول الأوَّل، وهذا المأخذ يقتضي اتفاق الأئمَّة على أنه متى كان دوام الإحرام يحصل به ضرر يزول بالتحلُّل فله التحلُّل.
ومعلومٌ أنَّ هذه المرأة إذا دام إحرامها تبقى ممنوعة من الوطء دائمًا، بل وممنوعة في أحد قوليهم من مقدمات الوطء، بل من النكاح ومن الطيب وشريعتنا لا تأتي بهذا.
الثاني: أنَّ هذه إذا أمكنها العود فعادت أصابها في المرة الثانية نظير ما أصابها في الأولى، إذا كان لا يمكنها العود إلا مع الوفد، والحيض قد يصيبها مدَّة مقامهم بمكة.
الثالث: أنَّ هذا إيجاب سَفَرين كاملين على الإنسان للحجِّ من غير تفريطٍ منه ولا عدوان، وهذا خلاف الأصول، فإنَّ الله لم يوجب على الناس الحجَّ إلاَّ مرَّةً واحدة، وإذا أوجب القضاء على المفسد فذلك بسبب جنايته على إحرامه، وإذا أوجبه على من فاته الحج فذلك بسبب تفريطه؛ لأنَّ الوقوف له وقتٌ محدد، يمكن في العادة ألاَّ يتأخَّر عنه، فتأخُّره يكون لجهله بالطريق أو بما بقي من الوقت أو لترك السير

الصفحة 133