كتاب الأحكام المترتبة على الحيض والنفاس والاستحاضة

المعتاد، وكلُّ ذلك تفريط، بخلاف الحائض، فإنها لم تفرِّط، ولهذا أسقط النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها طواف الوداع وطواف القدوم، كما في حديث عائشة وصفية.
وأما التقدير الثالث:
وهو أن يقال: تتحلَّل كما يتحلَّل المحصر، فهذا أقوى، كما قال ذلك طائفةٌ من العلماء، فإن خوَّفها منعها من المقام حتى تطوف، كما لو كان بمكة عدُّو منعها من نفس الطواف دون المقام على القول بذلك، لكنَّ هذا القدر لا يُسقط عنها فرض الإسلام، ولا يؤمر المسلم بحجٍّ يحصر فيه، فمن اعتقد أنه إذا حج أحصر عن البيت، لم يكن عليه الحج، بل خلو الطريق وأمنه , وسعة الوقت شرط في لزوم السفر باتفاق المسلمين.
وإنما تنازعوا: هل هو شرطٌ في الوجوب، بمعنى: أنَّ من ملك الزاد والراحلة مع خوف الطريق أو ضيق الوقت، هل يجب عليه فيحجُّ عنه إذا مات؟ أو لا يجب عليه بحال؟ على قولَين معروفين:
فعلى قول من لم يجعل لها رخصة إلاَّ رخصة الحصر يلزمه القول الرابع، وهو أنها لا تُؤمَر بالحج، بل ولا يَجب ولا يُستَحَب، فعلى هذا التقدير يبقى الحجُّ غير مشروعٍ لكثيرٍ من النساء، أو أكثرهنَّ في أكثر هذه الأوقات، مع إمكان أفعالها كلَّها لكونهنَّ يعجزن عن بعض الفروض في الطواف.
ومعلوم أنَّ هذا خلاف أصول الشريعة، فإنَّ العبادات المشروعة إيجابًا أو استحبابًا، إذا عجز عن بعض ما يجب فيها لم يسقط عنه المقدور لأجل المعجوز، بل قد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم» (¬1). وذلك مطابق لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]
ومعلومٌ أنَّ الصلاة وغيرها من العبادات التي هي أعظم من
¬_________
(¬1) سبق تخريجه.

الصفحة 134