كتاب الأحكام المترتبة على الحيض والنفاس والاستحاضة

النعمان بن بشير لما نحل ابنه غلامًا خصَّه به دون ولده: «ردَّه» (¬1)، فهذا ردُّ ما لم تصحُّ فيه الهبة الجائزة التي سمَّاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جورًا، وأخبر أنها لا تصلح، وأنها خلاف العدل.
ومن هذا قوله لمن فرَّق بين جارية وولدها في البيع فنهاه عن ذلك وردَّ البيع (¬2)، وليس هذا الردُّ مستلزمًا لصحة البيع؛ فإنه بيع باطل، بل هو ردُّ شيئين إلى حالة اجتماعهما كما كانا، وكذا الأمر بمراجعة ابن عمر امرأته ارتجاع ورد إلى حالة الاجتماع كما كانا قبل الطلاق، وليس في ذلك ما يقتضي وقوع الطلاق في الحيض البتَّة.
ويؤيدها: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمل لفظ: «المراجعة» وهو يقتضي المفاعلة، والرجعة من الطلاق يستقلُّ بها الزوج بمجرَّد كلامه، فلا يكاد يُستعمل في لفظ المراجعة، بخلاف ما إذا ردَّ بدن المرأة إليه فرجعت إليه باختيارها؛ فإنهما قد تراجعا، كما يتراجعان بالعقد باختيارهما بعد أن تنكح زوجًا غيره (¬3).
ويدل عليه أنَّ النبيَّ لم يأمر ابن عمر بالإشهاد على الرجعة (¬4):
وأمَّا قوله: «أرأيت إن عجز واستحمق» فلا دلالة فيها على أنَّ
¬_________
(¬1) أخرجه مسلم في كتاب الهبات، باب كراهية تفضيل بعض الأولاد في العطية (3/ 1242).
(¬2) أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد باب في التفريق بين السبي (3/ 145) عن ميمون ابن أبي شيبة عن علي أنه فرق بين جارية وولدها، فنهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - وردَّ البيع، قال أبو داود: وميمون لم يدرك عليِّ.
وأخرجه الترمذي في البيوع، باب كراهية الفرق بين الأخوين، أو بين الوالدة وولدها، في البيع (3/ 572) والذي فيه أنَّ التفريق بين أخوين، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يا علي، ما فعل غلامك» فأخبرته بالبيع فقال: «ردَّه، ردَّه» وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
وابن ماجة في كتاب التجارات، باب النهي عن التفريق بين السبي (2/ 755) وكلاهما عن ميمون عن علي.
(¬3) زاد المعاد (5/ 228).
(¬4) مجموع فتاوى ابن تيمية (33/ 100).

الصفحة 184