كتاب الأحكام المترتبة على الحيض والنفاس والاستحاضة

وقد بينَّا في مناقشة تلك الأدلَّة معنى كلِّ لفظ وما يعتريه من احتمالات.
وأمَّا قول الشافعي: إنَّ نافعًا أثبت في ابن عمر من أبي الزبير وأخصّ، فهذا إنما يحتاج إليه عند التعارض، فكيف ولا تعارض بينهما؟ فإنَّ رواية أبي الزبير صريحة في أنها لم تُحسب عليه، وأمَّا نافع فرواياته ليس فيها شيءٌ صريحٌ قط، أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - حسبها عليه (¬1)، وكما يقال في هذا يُقال في قول الخطابين وكذا في قول ابن عبد البر.
4 - أنَّ هذا طلاق لم يأذن الله فيه، وهو لو وكَّل وكيلاً أن يُطلِّق امرأته طلاقًا جائزًا، فطلَّق طلاقًا محرَّمًا لم يقع؛ لأنه غير مأذون له فيه، فكيف كان إذن المخلوق مُعتبَرًا في صحَّة إيقاع الطلاق دون إذن الشارع؟ (¬2).
ونوقش: بالفارق؛ لأنَّ غير الزوج لا يملك الطلاق، والزوج يملكه بمحلَّه (¬3).
5 - أنَّ الشارع قد حجر على الزوج أن يُطلِّق في حال الحيض، فلو صحَّ طلاقه لم يكن لحجر الشارع معنى، وكان حجر القاضي على منعه التصرُّف أقوى من حجر الشارع حيث يُبطِل التصرُّف بحجره (¬4).
6 - أنه لو كان الطلاق قد لزم لم يكن في الأمر بالرجعة ليطلِّقها طلقة ثانية فائدة، بل فيه مضرَّة عليهما؛ فإنَّ له أن يُطلقها بعد المراجعة بالنصِّ والإجماع، وحينئذٍ يكون في الطلاق مع الأول تكثير الطلاق وتطويل العدة وتعذيب الزوجين جميعًا، فإنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوجب عليه
¬_________
(¬1) تهذيب سُنن أبي داود (3/ 96).
(¬2) المغني (10/ 317) زاد المعاد (5/ 322) تهذيب سُنن أبي داود (3/ 97) مجموع فتاوى ابن تيمية (33/ 22) المبدع (7/ 260).
(¬3) المغني (10/ 328).
(¬4) زاد المعاد (5/ 224) تهذيب سُنن أبي داود (3/ 96).

الصفحة 192