كتاب الأحكام المترتبة على الحيض والنفاس والاستحاضة

بالعزيمة ويُخرَج منه بالشبهة، فأين أحدهما من الآخر حتى يقاس عليه؟ (¬1).
وأجيب عن هذه المناقشة بما يلي:
أمَّا ما ذكرتموه من الفارق بين العَقدين، وأنَّ النكاح عقد يملك به البضع والطلاق عقد يخرج به فنعم، من أين لكم برهان من الله ورسوله بالفرق بين العقدين في اعتبار حُكم أحدهما والإلزام به وتنفيذه وإلغاء الآخر وإبطاله؟
أما عن قولكم: إنَّ النكاح نعمة فلا يكون سببه إلاَّ طاعة بخلاف الطلاق؛ فإنه من باب إزالة النعم فيجوز أن يكون سببه معصية.
فيقال: قد يكون الطلاق من أكبر النعم التي يَفكُّ بها المطلِّق الغلَّ من عنقه والقيد من رجله؛ فليس كلُّ طلاقٍ نقمة، بل من تمام نعمه على عباده أن مكَّنهم من المفارقة بالطلاق إذا أراد أحدهم استبدال زوج مكان زوج، والتخلَّص ممَّن لا يحبها ولا يلائمها، فلم يرَ للمتحابين مثل النكاح، ولا للمتباغضين مثل الطلاق.
وأما قولكم: إنَّ الفروج يُحتاط لها فنعم، وهكذا قلنا سواء، فإنا احتطنا وأبقينا الزوجين على يقين النكاح حتى يأتي ما يزيله بيقين، فإذا أخطأنا فخطؤنا في جهةٍ واحدة، وإن أصبنا فصوابنا من جهتين، جهة الزوج الأول وجهة الثاني، وأنتم ترتكبون أمرَين: تحريم الفرج على من كان حلالاً له بيقين وإحلاله لغيره، فإن كان خطأً فهو خطأٌ من جهتين، فتبيَّن أنَّا أولى بالاحتياط منكم.
أما قولكم: إنَّ النكاح يدخل فيه بالتشديد والاحتياط، ويخرج منه بأدنى شيء، فيقال: نعم، هذا مسلَّم، ولكن لا يخرج منه إلاَّ بما نصبه الله سببًا يخرج به منه، وأذن فيه، وأما ما ينصبه المؤمن عنده، ويجعله هو
¬_________
(¬1) زاد المعاد (5/ 233، 232) تهذيب سُنن أبي داود (3/ 96،98).

الصفحة 196