كتاب الأحكام المترتبة على الحيض والنفاس والاستحاضة

قال الإمام مالك رحمه الله: أحسن ما سمعت في قوله: {لاَ يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} أنها بمنزلة الآية التي في {عَبَسَ وَتَوَلَّى} .. {فمن شاء ذكره * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: 12 - 16] (¬1).
وأجيب عنه بجوابين:
الجواب الأول: أنه قوله {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الواقعة: 80] ظاهر أنَّ المراد به المصحف، فلا يُحمل على غيره إلاَّ بدليل (¬2).
الجواب الثاني: أنَّ فيه دليلٌ على وجوب التطهُّر لمسِّ المصحف؛ ذلك أنَّ البارئ تعالى وصف القرآن بأنه كريم، وأنه في الكتاب المكنون الذي لا يمسه إلا المطهَّرون، فوصفه بهذا تعظيمًا، والقرآن المكنون في اللوح المحفوظ هو المكتوب في المصاحف التي بأيدينا، وقد أُمِرنا بتعظيمها فيجب أن نتمثَّل ذلك بما وصف الله القرآن به من أنه لا يمسُّ الكتاب الذي هو فيه إلاَّ مُطهَّر.
قال الباجي: وهذا وجهٌ صحيحٌ سائغ (¬3).
الوجه الثالث: أنَّ المراد بقوله: {لاَ يَمَسُّهُ} أي: لا يجد طعم نفعه "إلاَّ المطهَّرون" من الذُنوب، التائبون العابدون (¬4)
وأجيب عنه: بأنَّه عدول عن الظاهر لغير ضرورة عقل ولا دليل سمع (¬5).
الوجه الرابع: أنَّ ما في الآية ليس أمرًا، وإنما هو خبر، والله تعالى لا يقول إلا حقًا، ولا يجوز أن يُصرف لفظ الخبر إلى معنى
¬_________
(¬1) الموطأ مع المنتقى (1/ 344).
(¬2) المجموع (2872).
(¬3) المنتقى (1/ 344).
(¬4) أحكام القرآن لابن العربي (4/ 1738) تفسير القرطبي (17/ 226).
(¬5) أحكام القرآن لابن العربي (4/ 1738).

الصفحة 35