كتاب موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 1)

ذمَّه الله تعالى في كتابه والتفرُّق الذي نهى عنه ربنا سبحانه وتعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - هو في أصول الدين لا في فروعه وأن الصحابة والتابعين لم يقتصر خلافهم في الفروع على مسائل معدودة، وإنما كان في مسائل كثيرة، بل كان في أمهات مسائل الفقه الفرعية، وأن من جاء بعدهم من الفقهاء المجتهدين عندما اختلفوا في تلك المسائل إنما كانوا فيها على سنن من قبلهم من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، وأنَّ نصوص الكتاب والسنَّة ليست مرتبة واحدة من حيث الدلالة على الحكم ففيها قطعي الدلالة، وهذا لا خلاف في العمل بمقتضاه وهو أحد أدلَّة المسائل المتفق عليها وفيها (النصوص) ظني الدلالة، وهي أحد أسباب الاختلاف بين الفقهاء وعلى رأسهم فقهاء الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم، نعم لقد جهلت هذه الفئة أو تجاهلت كل هذا، وجهلت فوق هذا أو تجاهلت أنَّ هذه الأمة كانت في أوجِّ تقدمها وتحضرها وفتوحاتها وريادتها للعالم أقول كانت هذه الأمة في أوجها مختلفة في فروع دينها, لكنها كانت مجتمعة على أصول دينها ضابطة للخلاف فيما سوي ذلك بمناهج البحث والنظر وقواعد الاجتهاد والاستنباط، وحافظةً كل ذلك أصولًا وفروعًا بسياج قوي من الأخلاق العلمية العالية، مادة هذا السياج وطينته تقوى الله وقصد رضاه، ولعل أن تكون هذه الموسوعة دعوةً صادقةٌ وتنبيهًا مخلصًا لتلك الفئة وغيرها، فإننا نعلم أن كثيرًا من أصحاب تلك الدعوات ما دفعهم لهذا إلا حبهم للكتاب والسنة والسَّلف الصالح، وها نحن تقدم لهم عملًا ومشروعًا جديدًا مادته وأساسه حب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وصالحي هذه الأمة عبد الله بن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت وعائشة وسعيد بن المسيب والحسن البصري والنخعي والزهري وطاوس وابن المبارك والليث والأوزاعي ومالك وأبي حنيفة والثوري ومحمد بن الحسن والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وغيرهم من سادات هذه الأمة المرضية رحمهم الله تعالى ورضي عنهم أجمعين.
18 - لقد كان من بين مقاصد هذه الموسوعة التخفيف من حدّة التعصب للمذاهب والأقوال وأن المسألة الفقهيه المختلف فيها لا يصح أن تخرج عن إطار الخلاف العلمي أو التباين الفكري وأنه خلاف محمود مشروع ما دام في إطار المناهج والقواعد العلمية والأخلاقية.
لقد اختلف الأوائل وفي عصور خير القرون في كثير من فروع الفقه وكان خلافًا يسعهم ويسع من جاء بعدهم إلى يوم القيامة.
إن خلاف الأوائل لم يفسد لهم ودَّا ولا كدّر لهم قلبًا أو نكد عليهم عيشًا ولا أوقف بُرمته مسيرة أمة جعلها الله تعالى خير أمة أخرجت للناس، فذهبت تفتح مشارق

الصفحة 31