كتاب التجريد للقدوري (اسم الجزء: 12)

الربا حرمت بنص واحد لم يكن بعضها أصلاً وبعضها فرعًا، لأن الشيء لا يجوز أن يحرم لعلة لا توجد فيه. ومعلوم أن الشدة والطرب لا توجد في الخمر اليسير، وهو محرم كتحريم الكثير، فلم يجز أن تكون الشدة هي العلة في التحريم، إذ لا قائل يقول: إن قليل الخمر حرم بغير العلة التي حرم كثيرها، ولهذا لم يحرم قليل السقمونيا، لأن كثيرة يقتل.
29553 - فإن قيل: وجود الشدة علة لتحريم الجنس.
29554 - قلنا: هذا الذي منعنا منه أن يحرم الكثير للشدة ثم يحرم القليل من غير الشدة.
29555 - فإن قيل: القليل يسكر النمل والعصافير إذا كانت العلة تنافيها من الشدة المؤدية إلى إيقاع العداوة والبغضاء، فكيف يحرم القليل علينا لأنه يسكر العصافير وهل هذا إلا تلاعب بالعلل! على أنا لا نسلم أن العصفور والنمل يسكر. ولا يمتنع أن يكون الله تعالى خلقها على طبع لا يسكرها الشراب، كما خلق حيوانًا يستحلي الحنظل، والمخمور لا تؤثر فيه السموم.
29556 - ولأنه قد ثبت عندنا ما سنبينه من بعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أباح النبيذ في الأوعية التي تحدث الشدة، ولا يجوز أن يتناول نسخ الإباحة إلا ما يتناوله الخطر وهو المشتد، فلو كانت العلة في تحريم الخمر هذه، ارتفع تحريم حكم هذه العلة بالإباحة، وخرجت أن تكون علة التحريم في الخمر. وقد علمنا أن تحريم الخمر لم تتعين، فعلمنا أن التحريم وقع دليل [نبه به] على أنه غير معلل.
29557 - احتجوا: بقوله تعالى: {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلواة}.
29558 - قلنا: هذا لا يجوز أن يكون على وجه التعليل، لأن كل شيء صد عن ذكر الله حرام بالعقل. وقد كانت الخمر حلالاً إلى أن نزل تحريمها، فلو كان التحريم في القليل لهذه العلة لم تحل.

الصفحة 6090