كتاب التجريد للقدوري (اسم الجزء: 12)

مخالفنا أن من مراد الله تعالى في تحريم الخمر والنبيذ سواء، فكان يجب أن يكون البيان فيهما على وجه، أو يكون بيان تحريم النبيذ أظهر. فلما وجدنا تحريم الخمر معلومًا من طريق يقع العلم به ويقطع في الشريعة بمعرفته ويكفر جاحده، ولم يوجد مثل ذلك في النبيذ، علمنا أن مراد الله تعالى في حكمها مختلف، وهذا خلاف قولهم.
ولأن الأشربة كلها كانت على الإباحة، ثم حرمت الخمر بطريق معلوم، وما سواها إنما يحرم بنقل. وقد اختلف ما نقل في حظرها وإباحتها، حتى قال إبراهيم الحربي: لم يصح في تحريم النبيذ ولا إباحته حديث. وإذا تعارض ذلك، بقيت الإباحة على ما كانت.
29596 - فإن قيل: من أصلكم أن التعارض إذا حصل، كان ما يوجب الحظر أولى.
29597 - قلنا: هذا نقوله إذا فقد التاريخ، وفي مسألتنا الإباحة متأخرة، فكانت أولى. ولأن الله تعالى لم يحرم نوعًا من المحرمات إلا أباح ما يسد مسده. ألا ترى أنه حرم لحم الخنزير وأباح أنواعًا من اللحم تغني عنه، وحرم مناكحة ذوات المحارم وأباح الأجنبيات. ووجدنا أن الشراب المطرب مقصود، فلما حرم منه أنواعًا، فالظاهر أنه أباح أنواعًا، وعند مخالفنا أن الله تعالى حرم جميع الأنواع، وهذا خلاف الأصول؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أقر على شرب هذه الأشربة، وهذا معلوم من شريعته، وما ثبت بدليل شرعي مقطوع به لا ينسخ كما لا يوجب العلم. ولأنه نوع متنازع متناول قبل الشرع، فلا يحرم بالشرع جنسه كاللحمان. ولأنه شراب رغب الله فيه في الجنة، فكان من نوعه ما هو مباح كاللبن والعسل.
29598 - احتجوا: بحديث عمر أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام). وحديث ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كل مسكر حرام). وكذلك رواه عبد الله بن عمر. وروى أبو موسى الأشعري قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شراب من العسل، فقال: (ذلك البتع). قلت: وينبذون من الشعير، قال: (ذلك المزر). ثم قال: (أخبر قومك أن كل مسكر حرام). وروت أم سلمة قالت: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن

الصفحة 6103