كتاب ديوان طرفة بن العبد

فظَلَّ الإماءُ يَمْتَلِلْنَ حُوَارَها ... ويُسْعَى علينا بالسّدِيفِ المُسَرْهَدِ (¬1)
فإن مُتُّ فانعِنيني بما أنا أهْلُهُ ... وشُقّي عليَّ الجَيْبَ يا ابنَةَ مَعْبَدِ (¬2)
ولا تَجْعَلِيني كامرىءٍ ليسَ هَمُّهُ ... كَهَمّي ولا يُغني غَنائي ومَشهَدي
بطيءٍ عنِ الجُلّى، سريعٍ إلى الخَنى ... ذَلُولٍ بأجْماعِ الرّجالِ مُلهَّدِ (¬3)
فلو كُنْتُ وَغْلاً في الرّجالِ لَضَرّني ... عَداوَةُ ذي الأصْحابِ والمُتَوحِّدِ (¬4)
ولكِنْ نَفى عنّي الرّجالَ جَراءتي ... عليهِم وإقدامي وصِدْقي ومَحْتِدي (¬5)
لَعَمْرُكَ، ما أمْري عليّ بغُمّةٍ ... نهاري, ولا لَيلي علىَّ بسَرْمَدِ (¬6)
ويومَ حَبَسْتُ النّفسَ عِند عِراكِهِ ... حِفاظاً على عَوراتِهِ والتّهَدّدِ
على مَوطِنٍ يخْشى الفتى عندَهُ الرّدى ... متى تَعْتَرِكْ فيه الفَرائِصُ تُرْعَدِ (¬7)
وأصفَرَ مَضْبُوحٍ نَظَرْتُ حِوارَهُ ... على النارِ واستوْدَعتُهُ كَفَّ مُجمِدِ (¬8)
ستُبدي لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهِلاً ... ويأتِيكَ بالأخبارِ مَن لم تُزَوّدِ
ويَأتِيكَ بالأخبارِ مَنْ لم تَبِعْ له ... بَتاتاً، ولم تَضْرِبْ له وقْتَ مَوعدِ (¬9)
¬__________
(¬1) الإماء: النساء ومفردها الأمة. يمتللن: يضعن لحمها على الجمر. الحوار: ابن الناقة. السديف: لحم السنام. المسرهد: المربى. وهذا البيت شبيه ببيت ورد في معلقة امرئ القيس حيث يقول:
وظل العذارى يرتمين بلحمها ... وشحمٍ مهدَّاب الدمقس المفتلِ
(¬2) ابنة معبد: ابنة معبد بن العبد شقيق الشاعر. انعيني: أشيعي خبر موتي.
(¬3) الجلى: المصيبة الداهية. الخنى: السوء والفحشاء. الملهد: المضروب بالكف وفي الأمر كناية عن الذل والمهانة.
(¬4) الوغل: الضعيف.
(¬5) محتدي: أصلي.
(¬6) الغمّة: العتمة والظلمة. السرمد: الذي لا ينتهي.
(¬7) الردى: الموت. الفرائض: مفردها الفريضة وهي لحمة في أعلى الكتف وأعلى الفخذ ترتجف عند الخوف.
(¬8) الأصفر: صفة لموصوف محذوف هو القدح. المضبوح: القريب من النار. المجمد: الذي لا حظّ له في لعبة الميسر.
(¬9) البتات: ثوب المسافر.

الصفحة 29