كتاب ديوان طرفة بن العبد
وأنَّى اهْتَدَتْ سلمى وسَائلَ, بينَنا ... بَشاشَةُ حُبٍّ، باشرَ القلبَ داخِلُهْ (¬1)
وكم دُونَ سَلمى من عَدُوٍّ وبلدةٍ ... يَحارُ بها الهادي، الخفيفُ ذلاذلُه (¬2)
يَظَلُّ بها عَيرُ الفَلاةِ، كأنّهُ ... رقيبٌ يُخافي شَخْصَهُ ويُضائلُهْ (¬3)
وما خِلْتُ سلمى قبلَها ذاتَ رِجلةٍ ... إذا قَسْوَرِيُّ الليلِ جِيبَتْ سَرَابلُهْ (¬4)
وقد ذَهَبَتْ سلمى بعَقْلِكَ كُلَّهِ ... فهَلْ غيرُ صَيدٍ أحْرَزَتْهُ حَبائِلُه
كما أحْرَزَتْ أسْماءُ قلبَ مُرَقِّشٍ ... بحُبٍّ كلمْعِ البَرْقِ لاحتْ مَخايله (¬5)
وأنْكَحَ أسْماءَ المُرَاديَّ، يَبْتَغي ... بذلكَ, عَوْفٌ أن تُصابَ مَقاتِلُه (¬6)
فلمَّا رأَى أنْ لا قَرارَ يُقِرُّهُ ... وأنّ هَوَى أسْماءَ لابُدّ قاِتلُه
تَرَحّلَ مِنْ أرْضِ العرَاقِ مُرَقِّشٌ ... على طَرَبٍ، تَهْوي سِراعاً رواحِلُه (¬7)
إلى السّرْوِ، أرضٌ ساقه نحوها الهوى ... ولم يَدْرِ أنَّ الموْتَ بالسّرْوِ غائلهْ (¬8)
فغودِرَ بالفَرْدَين: أرضٍ نَطِيّةٍ ... مَسيرَةِ شهْرٍ، دائبٍ لا يُوَاكِله (¬9)
فيا لكَ من ذي حاجةٍ حيلَ دونَها ... وما كلُّ ما يَهوَى امرُؤٌ هو نائِلُه
فوجدي بسلمى مثلُ وَجْدِ مُرَقِّشٍ ... بأسْماءَ، إذ لا تَستفيقُ عَواذِله (¬10)
¬__________
(¬1) بشاشة الحب: سروره. باشر: نطق.
(¬2) الذلاذل: أسفل القميص.
(¬3) عير الفلاة: حمار الوحش. يضائل: يصغر.
(¬4) ذات الرجلة: كل من لها رجل، تمشي بها. قسوري الليل: مُعظمه وشدة سواده. السرابل والسرابيل: واحدها السربال وهو القميص.
(¬5) أسماء: هي أسماء بنت عوف التي أحبها المرقش ابن عمها ولم يتزوجها فمات كمداً في حبها. المخايل: مفردها المخيلة وهي السحابة التي لا تمطر.
(¬6) المرادي: زوج أسماء.
(¬7) الطرب: الحزن. تهوي: تسير مسرعة. الرواحل: مفردها الراحلة وهي الناقة.
(¬8) السرو: موضع قبر المرقش. غائله: قاتله.
(¬9) الفردين: موضع. النطية: البعيدة. الدائب: المستمر في العمل. لا يواكله: لا يدب به الوهن.
(¬10) وجدي: شدة حبي. العواذل: مفردها العاذل وهو اللائم.
الصفحة 64