كتاب ديوان طرفة بن العبد
وكيفَ تَضِلُّ القَصْدَ والحَقُّ واضحٌ ... وللحَقّ, بينَ الصَّالحينَ, سَبيلُ (¬1)
وفَرّقَ عن بَيْتَيْكَ سعدَ بنَ مالكٍ ... وعَوفاً, وعَمراً, ما تَشي وتقولُ (¬2)
فأنتَ، على الأدنى، شَمالٌ عَرِيّةٌ ... شَآميّةٌ، تَزْوي الوُجوهَ، بَلِيلُ (¬3)
وأنتَ على الأقصى صباً غيرُ قَرَّة ٍ ... تَذاءَبَ منها مُرْزِغٌ ومُسيلُ (¬4)
وأنتَ امرُؤٌ منّا، ولَستَ بخَيرِنا ... جَوَادَاً على الَأقصى, وأنتَ بخيلُ
فأصْبَحْتَ فَقْعاً نابتاً بقَرارَةٍ ... تَصَوَّحُ عنهُ, والذَّليلُ ذليلْ (¬5)
وأعلمُ عِلماً ليسَ بالظنِّ أنَّهُ ... إذا ذَلّ مَولى المَرْءِ فهْوَ ذَليلُ (¬6)
وإنّ لِسانَ المَرْء ما لم تَكُنْ لَهُ ... حَصاةٌ، على عَوْراتِهِ لَدَلِيلُ (¬7)
وإنّ امرأً لم يعْفُ، يوْماً، فُكاهةً ... لمَنْ لمْ يُرِدْ سُوءاً بها, لَجَهُولُ (¬8)
تَعَارَفُ أرواحُ الرّجالِ إذا التَقَوا ... فَمنْهُمْ عدُوٌّ يُتّقَى وخليلُ (¬9)
¬__________
(¬1) تضل الحق: تبتعد عنه. السبيل: المورد والطريق.
(¬2) سعد وعوف وعمر: من أعمام وخؤولة الشاعر.
(¬3) الأدنى: القريب. الشمال العرية: ريح الشمال الباردة. الشآمية: الريح الآتية من جهة الشام. تزري الوجوه: تغضبها. البليل: الرياح التي تصطحب معها الماء والندى. وقد قصد بالقريب نفسه.
(¬4) الأقصى: البعيد. وقصد به عمرو بن هند. الصبا: الرياح الشرقية الخفيفة. القرة: البارة. تذاءب: أتى من كل صوب. المرزغ: المطر. المسيل: المطر القوي الذي يبعث السيل.
(¬5) الفقع: الكمأة. وهو نبات يظهر إذا اشتد البرق والرعد في الصحراء. القرارة: الأرض المنبسطة. تصوّح: تتصوح وتتشقق.
(¬6) مولى المرء: قريبه.
(¬7) الحصاة: العقل.
(¬8) الفكاهة: الملاحة والظرف.
(¬9) تعارف: تتعارف. الخليل: الأخ.
الصفحة 67