كتاب إجابة السائل شرح بغية الآمل

أحد الْأَقْوَال فِي الْمَسْأَلَة وَهُوَ أَنه يجوز لَهُ التَّقْلِيد فِيمَا يَخُصُّهُ لَا فِي مَا يُفْتِي بِهِ قَالُوا لِأَن السَّائِل إِنَّمَا يسْأَله عَمَّا عِنْده فَإِذا أفتاه بقول غَيره كَانَ غاشا لَهُ فَهَذِهِ الْأَقْوَال الَّتِي حواه النّظم وَبَقِيَّة الْأَقْوَال لم يقو لنا شَيْء مِنْهَا وَلم نرتض غير مَا قَالَه الْجُمْهُور وَهُوَ مَا نظمناه وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} والمجتهد مستيطع لتحصيله الظَّن من الدَّلِيل فَلَا يجوز لَهُ الْعُدُول إِلَى غَيره لِأَنَّهُ كالعدول إِلَى التَّيَمُّم مَعَ إِمْكَان المَاء وَهُوَ لَا يجوز وَأما أَدِلَّة المجيزين فتأتي فِي أَدِلَّة جَوَاز التَّقْلِيد
وَأما بعد نظر الْمُجْتَهد فِي الْمَسْأَلَة أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْله بقوله
وَبعد أَن ينظر لَا يُقَلّد
بالِاتِّفَاقِ ثمَّ من يجْتَهد
وَذَلِكَ أَنه بعد النّظر وَحُصُول الظَّن عَن الدَّلِيل قد صَار مُجْتَهدا والمجتهد يحرم عَلَيْهِ التَّقْلِيد لما عَرفته وَهُوَ اتِّفَاق وَقَوله ثمَّ من يجْتَهد مُبْتَدأ خَبره قَوْله
يلْزمه التَّرْجِيح للدلائل
وَالْأَخْذ بالراجح فِي الْمسَائِل
هَذَا بَيَان لحكم الْمُجْتَهد وَأَنه يجب عَلَيْهِ أَخذه بالراجح فِي ظَنّه وَيَأْتِي التَّرْجِيح وَبَيَان كيفيته وطرقه فِي بَاب مُسْتَقل هُوَ الْبَاب الْعَاشِر هَذَا إِن ظهر لَهُ الرَّاجِح فَإِن خَفِي عَلَيْهِ وَحصل التَّعَارُض بَين الْأَدِلَّة فِي نظره فَفِي النّظم إِشَارَة إِلَى ثَلَاثَة أَقْوَال للْعُلَمَاء وَهُوَ قَوْله
فَإِن خَفِي الرَّاجِح قيل خيرا
وَقيل بل يتبع فِيهِ الأكثرا ... علما وَقيل بل بِحكم الْعقل
الأول أَنه مُخَيّر بَينهَا يَأْخُذ بأيها شَاءَ وَهُوَ قَول طَائِفَة من الْعلمَاء وَدَلِيله أَن كل وَاحِد يصلح مُسْتَندا للْحكم بِحَيْثُ لَو انْفَرد تعين الْعَمَل بِهِ فكونه عَارضه مَا يماثله فَهُوَ كتعدد الأمارات يعْمل بأيها شَاءَ إِذْ الْعَمَل بأحدها تحكم ورد بِأَن ثُبُوت التَّخْيِير حكم شَرْعِي لَا بُد من الدَّلِيل عَلَيْهِ وَمُجَرَّد التَّعَارُض لَا يَقْتَضِيهِ شرعا وَلَا لُغَة وَلَا عقلا بل الدَّلِيل قَائِم على امْتِنَاعه

الصفحة 398