كتاب إجابة السائل شرح بغية الآمل

وأركان تَحْرِيمهَا التَّكْبِير وتحليلها التَّسْلِيم وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يحده الْفُقَهَاء فِي أَنْوَاع الْعِبَادَات والمعاملات وَالظَّاهِر أَنهم يُرِيدُونَ بِأَنَّهُ يجْرِي بَينهَا التَّرْجِيح أَن مَا كَانَ أَكثر جمعا ومنعا فَهُوَ أولى من الْقَاصِر عَنْهُمَا وَنَحْو ذَلِك
وَقد بحثنا فِي شرحنا سبل السَّلَام فِي كتاب الْحُدُود عَن المُرَاد بحدود الله تَعَالَى فَمن مرجحات الْحُدُود السمعية مَا أَفَادَهُ قَوْله ... بِمَا أَتَى فِيهِ بِلَفْظ أعرفا ... أَو كَونه الأعرف مِمَّا عرفا ...

أَي يرجح الْحَد الَّذِي أَلْفَاظه أعرف وَأظْهر على الْحَد الَّذِي لَيْسَ كَذَلِك ومثاله أَن نقُول الْحَنَابِلَة حُدُوث صفة شَرْعِيَّة فِي الْإِنْسَان عِنْد خُرُوج الْمَنِيّ أَو عِنْد سَببه تمنع من الْقِرَاءَة وَالْآخر الْجَنَابَة خُرُوج الْمَنِيّ على وَجه الشَّهْوَة فَالْأول يَقْتَضِي أَن الْجَنَابَة غير خُرُوج الْمَنِيّ وَالثَّانِي يَقْتَضِي أَنَّهَا نفس خُرُوجه فَيكون الأول أرجح لكَونه أصرح وَلما فِي الثَّانِي من التَّجَوُّز وَهَذَا مِثَال وَهُوَ مناقش فِيهِ
وَقَوله أَو كَونه الأعرف مِمَّا عرفا أَي يرجح أَحدهمَا بِكَوْنِهِ أعرف وَأظْهر من الْحَد الآخر وَذَلِكَ بِأَن يكون أَحدهمَا شَرْعِيًّا وَالْآخر حسيا مثل أَن يُقَال التَّيَمُّم هُوَ التطهر بِالتُّرَابِ مَعَ قَول الآخر هُوَ مسح الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ بِالتُّرَابِ فَالْأول حكم شَرْعِي وَالثَّانِي حسي فَيكون أرجح لكَونه أظهر وَنَحْو ذَلِك من الْأَمْثِلَة ... أَو عَم أَو سمعا غَدا مُوَافقا ... أَو لُغَة فِي نَقله قد طابقا ...

أَي يرجح الْحَد الْأَعَمّ على الآخر الْأَخَص لِكَثْرَة الْفَائِدَة فِيهِ ومثاله الْخمر مَائِع يقذف بالزبد فَهُوَ أرجح من قَول الآخر هُوَ الْعصير من مَاء الْعِنَب لشُمُوله لأنواع الْخمر من التَّمْر وَالشعِير وَغَيرهمَا أَو وَافق السّمع فَإِنَّهُ أرجح مِمَّا لَا يُوَافقهُ كَأَن يُقَال الْخمر مَا أسكر مَعَ قَول الآخر هُوَ الْعصير من الْعِنَب فَإِن الأول مُوَافق الدَّلِيل السمعي وَهُوَ كل مُسكر حرَام أَو وَافق لُغَة كالمثال الْمَذْكُور فَإِنَّهُ مَأْخُوذ عَن مخامرة الْعقل فَيعم كل مُسكر

الصفحة 442