كتاب الإمام علي الرضا ورسالته في الطب النبوي

‹ صفحة 48 ›
حلق (شعر رأسه) وحمل على بعير فقيل له: ناد على نفسك: فقال: ألا من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني، فأنا مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي، وأنا أقول: طلاق المكره ليس بشئ. قال: فبلغ جعفر بن سليمان أنه ينادي على نفسه بذلك فقال: أدركوه، أنزلوه) . وكان مالك رضي الله عنه يعتقد أن بيعة المنصور باطلة، وأن صاحبها هو محمد النفس الزكية. وكان المنصور وولاته قد أخذوا الايمان على الناس ببيعته، وكان من تلك الايمان أن تطلق زوجة الرجل إذا هو نكث بيعة المنصور. فقام الامام مالك بإصدار فتواه: (ليس على مكره يمين) وأن (طلاق المكره لا يقع) . فانطلق الناس يبايعون محمد النفس الزكية، وقد كانوا يتحرجون من أيمانهم التي أكرهوا عليها عند مبايعتهم للمنصور. وقال مالك: (ليس على مستكره طلاق) . وخرجت الفتوى وانطلق الناس في المدينة إلى محمد النفس الزكية يبايعونه. . وجن جنون السلطة العباسية فقام والي المدينة جعفر بن سليمان العباسي وضرب مالك ضربا مبرحا وحلق شعره وطاف به على دابة مجللا بالسواد ووجهه إلى ذيل الدابة. واعتزل مالك الناس بعد فشل ثورة النفس الزكية وبقي في بيته. قال الواقدي: كان مالك يحضر المسجد ويشهد الجمعة والجنائز ويعود المرضى ويجيب الدعوة ويقضي الحقوق زمانا، ثم ترك الجلوس في فناء المسجد، فكان يصلي وينصرف، ثم ترك عيادة المرضى وشهود الجنائز، فكان يأتي أصحابها ويعزيهم، ثم ترك مجالسة الناس ومخالطتهم، والصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم حتى الجمعة، ولا يعزي أحدا ولا يقضي له حقا، فكان يقال له في ذلك فيقول: (ما يتهيأ لكل أحد أن يذكر ما فيه، فاحتمل الناس له كل ذلك حتى مات على ذلك) . وقال ابن كثير في البداية والنهاية: (ومن وقت خروج محمد بن عبد الله بن حسن لزم مالك بيته فلم يأتي أحدا لا لعزاء ولا لهناء، ولا يخرج لجمعة ولا جماعة، ويقول: ما كل ما يعلم يقال، وليس كل أحد يقدر على الاعتذار) . ويقال أن المنصور لما حج بعد أن استتب له الأمر زار المدينة وأراد أن يظهر

الصفحة 48