كتاب طريقة الخلاف في الفقه بين الأئمة الأسلاف

196 - مسألة: شهود القصاص إذا رجعوا بعد الاستيفاء أو جاء المشهود بقتله حياً والشهود أقروا بالتعمد - لا يجب عليهم القتل.
والوجه فيه - أن قتل الشهود لا يساوي الجناية الموجودة منهم، فلا يستحق عليهم.
وإنما قلنا ذلك - لأن فوات الحياة في حق الشهود / يتعلق بحز الرقبة، بطريق العلة والإيجاب، ولا يتوقف على اختيار أحد. وفوات الحياة في حق المشهود عليه يتعلق بوسائط وأفعال اختيارية: منها - حصول غلبة الظن للقاضي بصدقهم. ومنها - قضاء القاضي. ومنها - اختيار الولي القصاص دون الدية. ومنها - مباشرة حقيقة القتل. ولا يخفى على أحد أن الأول في كونه جناية أقوى، فلا يجب، لأنه خالف النصوص المقتضية للماثلة.
فإن قيل: ما ذكرتم إن دل على عدم وجوب القصاص، ولكن ههنا دليل يدل على وجوب القصاص، وذلك لأن الموجود من الشهود قتل تسبيباً، وإن لم يكن مباشرة، لأن فعلهم يقضي إلى زهوق الروح، بواسطة تغلب وجودها، لأنه يجب على القاضي القضاء، وذلك بحمل الولي على الاستيفاء، فيصير الشاهد قاتلاً، كالمكره، بل أولى، لأن إقدام المكره حرام، وقضاء القاضي واجب، فيكون الملازمة ههنا أكثر، فيكون قتلاً معنى وتسبباً. ولهذا تجب الدية عليهم، والدية حكم القتل، فيجب القصاص بالنصوص المقتضية للقصاص.
ولئن سلمنا أن الموجود منه ليس بقتل، لكن لم قلتم بأنه لا يجب القصاص؟ .
أما النصوص المقتضية للمماثلة، فالاعتراض عليها ما مر في المسألة المتقدمة.

الصفحة 492