كتاب طريقة الخلاف في الفقه بين الأئمة الأسلاف

فإن قيل: قوله بأن المعقود عليه نفس المرأة –قلنا: لا نسلم، بل المعقود عليه منافع البضع المستوفاة في جميع العمر، ولا يمكن تسليمها في حالة واحدة. وهذا لأن المعقود عليه لو كان نفس المرأة لخلا الوطء الثاني والثالث عن الملك وعن العوض أصلًا، وذلك لا يجوز.
ولئن سلمنا أن المعقود عليه نفس المرأة، ولكن لم قلتم إنها سلمتها إلى العاقد. وهذا لأن قيام يد العاقد على المعقود عليه يمنع التسليم، ويد العاقد ههنا قائمة، لأن نفس المرأة ومنافع بضعها في يدها حقيقة، ولا يتحقق التسليم والقبض إلا بعد وجود الوطء حقيقة. وصار هذا كما إذا باع دابة هو راكبها أو ثوبًا هو لابسه: لا يتحقق التسليم بدون النزول والنزع- كذا ههنا.
ثم هذا معارض بقوله تعالى: {وإن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}.
الجواب:
قوله بأن المعقود عليه منافع البضع –قلنا: لا نسلم، وهذا لأن المنافع في باب النكاح لم تملك مقصودة بالعقد، بل تبعًا وضرورة لملك النفس، كملك الانتفاع في باب البيع، بدليل أن العقد يضاف إلى الذات دون المنافع.
قوله: المعقود عليه لو كان نفس المرأة لخلا الوطئان عن العوض- قلنا: أجمعنا على أن قبض النفس حقيقة في حق الوطء مرة واحدة، قائم مقام جميع الوطئات في حق تأكيد المهر. كذلك تسليم النفس نظرًا للمرأة.
وأما قيام يد العاقد- قلنا: قيام يد العاقد لا يمنع التسليم لذاته، بل لأنه يعجز الآخذ عن القبض والانتفاع، كما في الدابة والثوب، وههنا قيام يد المرأة على نفسها لا يعجز عن الوطء عند ارتفاع الموانع، فافترقا من هذا/ الوجه.

الصفحة 98