كتاب الأحاديث المشكلة الواردة في تفسير القرآن الكريم
عباس في غير رواية البخاري (¬1) - ليست مخالفة لما في البخاري عنه؛ فلا تكون شاذة؛ فإطلاق الطعن فيه من حيث النقل ليس في محله». اهـ (¬2)
هذا وقد ذكر أصحاب هذا المسلك عدة تأويلات للحديث دفعوا بها ما فيه من إشكال:
الأول: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرتل القرآن بمحضر من مشركي قريش، فارتصده الشيطان في سكتة من سكتاته، فنطق بتلك الكلمات محاكياً نغمة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فسمعها من دنا إليه من المشركين، وظنها من قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فأشاعوها وتناقلوها على أنها من قوله - صلى الله عليه وسلم -.
وهذا التأويل ذكره أصحاب المسلك الأول في أجوبتهم عن الحديث على التسليم بثبوته، وقد تقدم.
وذكره أيضاً بعض أصحاب هذا المسلك، وهم القائلون بثبوت الحديث، ومن القائلين بهذا التأويل:
أبو المظفر السمعاني، والنسفي، وشيخ الإسلام ابن تيمية (¬3)، وابن جزي، والحافظ ابن حجر، والملا علي القاري. (¬4)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «التَّمَنِّي فِي الْآيَةِ فِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِلْقَاءَ هُوَ فِي سَمْعِ الْمُسْتَمِعِينَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ الرَّسُولُ. وَهَذَا قَوْلُ مَنْ تَأَوَّلَ الْآيَةَ بِمَنْعِ جَوَازِ الْإِلْقَاءِ فِي كَلَامِهِ. والثَّانِي - وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَامَّةُ السَّلَفِ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ -: أَنَّ الْإِلْقَاءَ فِي نَفْسِ التِّلَاوَةِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ وَسِيَاقُهَا مِنْ غَيْرِ
¬_________
(¬1) أخرج البخاري في صحيحه، في كتاب الجمعة، حديث (1071)، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَجَدَ بِالنَّجْمِ، وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ».
(¬2) روح المعاني، للآلوسي (17/ 231).
(¬3) جزم بنسبته لابن تيمية الألباني في نصب المجانيق، ص (63).
(¬4) انظر على الترتيب: تفسير السمعاني (3/ 449) و (5/ 294)، وتفسير النسفي (3/ 161)، ومجموع الفتاوى، لابن تيمية (10/ 289 - 292)، والتسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي (2/ 43)، وفتح الباري، لابن حجر (8/ 294)، ومرقاة المفاتيح، للملا علي القاري (3/ 97).