كتاب قذائف الحق

مصر العمومى ثم خرج الرجل من السجن فكان أول ما صنع أن زار قبر سعد زغلول ليؤكد بقاءه على العهد وتأييده لقضايا الحرية وخصامه لأعداء الشعب!
ومن قصيدته التى ألقاها على قبره نذكر هذه الأبيات الشامخة:
خرجت له أسعى وفى كل خطوة
دعاء يؤدى أو ولاء يؤكد
لأول من فك الخطى من قيودها
أوائل خطوى يوم لا يتقيد

وأعظم بها حرية زيد قدرها
لدن فقدت أو قيل فى السجن تفقد
عرفت لها الحبين فى النفس والحمى
وكان لها حب وإن جل مفرد
وكنت جنين السجن تسعة أشهر
فها أنذا فى ساحة الخلد أولد
ففى كل يوم يولد المرء ذى الحجى
وفى كل يوم ذو الجهالة يلحد
وما أفقدت لى ظلمة السجن عزمة
فما كل ليل حين يغشاك مرقد

وما غيبتنى ظلمة السجن عن سنى
من الرأى يتلو فرقداً منه فرقد

عداتى وصحبى لا اختلاف عليهما
سيعهدنى كل كما كان يعهد
والعقاد بهذا الموقف الشريف ينتظم مع سلسلة الأبطال الذين يذودون عن الإنسانية بطش الجبابرة وجنون العظمة عند نفر من الملتاثين المتحكمين.
ولا أزال أكرر ما ذكرت فى بعض كتبى من أن الحريات المقررة هى الجو الوحيد لميلاد الدين ونمائه وازدهاره!
وإن أنبياء الله لم يضاروا بها أو يهانوا إلا فى غيبة هذه الحريات، وإذا كان الكفر قديماً لم ينشأ ويستقر إلا فى مهاد الذل والاستبداد فهو إلى يوم الناس هذا لا يبقى إلا حيث تموت الكلمة الحرة وتلطم الوجوه الشريفة وتتحكم عصابات من الأغبياء أو من أصحاب المآرب والأهواء..
.. نعم ما يستقر الإلحاد إلا حيث تتحول البلاد إلى سجون كبيرة، والحكام إلى سجانين دهاة.
من أجل ذلك ما هادنا ـ ولن نهادن إلى آخر الدهر ـ أوضاعاً تصطبغ بهذا العوج ويستشرى فيها ذلك الفساد.
ومرة أخرى أردد قول العقاد:

الصفحة 235