كتاب قذائف الحق

والشأن كذلك مع أقوام قد تموج أحفال المولد النبوى بهم أو قد يصرخون بالصلاة على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى أعقاب الأذان، أو قد يؤلفون صلوات من عند أنفسهم يحار المرء فى تراكيبها لإغراقها فى الخيال.
وقد يكون حبهم تمسكاً شديداً ببعض النوافل وهروباً تاماً من بعض الفرائض أو حناناً لا ندى معه ولا عطاء كهذا الذى قال له الشاعر:
لا ألفينك بعد الموت تندبنى
وفى حياتى ما قدمت لى زادا
أى حب هذا.. إن العرب لا يعرفون أى شرف كتب لجنسهم ولغتهم وأمسهم وغدهم عندما ابتعث الله محمداً منهم، وإن التقدير الحق لهذا الشرف لا يكون بالسلوك المستغرب الذى يواقعونه الآن ومنذ بدأوا يعبثون برسالة الله بينهم.
لما أراد رب العزة أن يعلن بركته النامية ورحمته الهامية اختار فى كتابه العزيز عبارتين مبينتين:
الأولى: تتحدث عن البركة فى مظهر القدرة التى تجمع أزمة الكون فى يده، فيستحيل أن يغلب يوماً على أمره أو يشركه أحد فى ملكه، وفى هذا المعنى يقول جل شأنه " تبارك الذى بيده الملك وهو على كل شىء قدير ".
والثانية: تتحدث عن البركة فى صورة الرجل الذى حمل هداه الأخير إلى عباده وتفجرت ينابيع الحكمة من بيانه وسيرته، فكان القرآن الذى يتلوه مشرق شعاع لا ينطفي، يهتدى على سناه أهل القارات الخمس ما بقى الليل والنهار. وفى هذا المعنى يقول جل شأنه " تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً " [الفرقان] .
إن الإنسان المبعوث رحمة للعالمين أشعل الأمة التى ظهر فى ربوعها فانطلقت لأول مرة من بدء الخليقة تحمل للناس الخير والعدل واستطاعت أن تؤدب جبابرة الأرض الذين عاثوا فى أرجائها فساداً وظنوا أن كبرياءهم لن يخدشها أحد!
حتى جاء الرجال الذين رباهم محمد، فقوموا صعر المعتدين، وأعزوا جانب

الصفحة 239