كتاب قذائف الحق

مغفرته لعبيده الأغرار، ذلك فى ظنى هو المقام المحمود، المقام الذى نسأله لمحمد عقب كل أذان يتردد صداه فى مهاب الريح ليستجيب له قوم وينصرف عنه آخرون " اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت " محمداً " الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذى وعدته ".
قلت: إن محمداً فى عالم العقائد والحقائق شمس وضاحة نفاحة، لكن العميان كثيرون، وقد مكث هذا الرسول النبيل يصدع بأمر الله وينقذ الناس من أهوائهم ومظالمهم، ثم ذهب إلى الرفيق الأعلى تاركاً فينا تراثه الجليل من كتاب وسنة، فليتعلم الدعاة من حياة سيد الدعاة أن أجر الحق المبذول لا يعجل فى الدنيا، وأن للمقام المحمود موعداً فى غير هذه الدار يتعلق به وحده الدعاة الأبرار.
مشهورون ومجهولون
أعجبنى فى اليمين التى حلف عليها أنس بن النضر أن الرجل كان يشهد الله وحده، وينشد أولاً وآخراً رضاه.
لقد أحزنه أن الله لم يره فى ميدان القتال ببدر، فأقسم أن يرى الله نفسه فى أول لقاء بالكافرين، وأن يضرب أعلى مثل فى التفانى والاستبسال.
وذلك فى ذات الإله وإن يشأ
يبارك على أوصال شلو ممزع
لم يدر فى خلد أنس تطلع إلى جاه أو تشوق إلى شهرة.
كان الرجل أزكى نية وأشرف نفساً من أن يلم بهذه الدنايا.
والعمل لا يوصف بالصلاح ولا يرشح للقبول إلا إذا خلص لله وحده، وقصد به وجهه.
روى أحمد بن حنبل عن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أخوف ما أخاف على أمتى الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء!
يقول الله عز وجل ـ للمرائين ـ إذا جزى الله الناس بأعمالهم: " اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون فى الدنيا، فانظروا: هل تجدون عندهم جزاء؟ ".

الصفحة 242