كتاب قذائف الحق

والواقع أنه لا جزاء عندهم لا فى الآخرة ولا فى الدنيا، فماذا يرجو عبد من عبد إلا أن يزداد ذلاً؟ وماذا يطلب فقير من فقير إلا أن يزداد عيلة!
إن الإخلاص لله سياج العز وضمان الخير فى الحياتين.
وعندما تصدق النية فلا يخشى على العبد من مجاهرة بصلاة أو جهاد أو صدقة، إذ الأساس استهداف وجه الله، وليس على البال غيره.
ومن الحماقة أن يطلب إنسان ثناء الخلق وهو يعلم أن الله قد ستر عليه ذنوباً لو كشفوها لسودوا وجهه!!
الله أولى بالاتجاه والمودة وأحق بالحفاوة والالتفات..
ومن عظمة الإيمان اكتفاء المرء بنظر الله إليه، وإيثاره أن يعمل فى صمت، أو يموت جندياً مجهولاً، وهذا الاكتفاء دلالة استغراق المرء فى الشهود الإلهى، ورسوخ قدمه فى مقام الإحسان، وتلك هى الولاية كما شرحها معاذ بن جبل رضوان الله عليه.
روى ابن ماجه أن عمر بن الخطاب خرج إلى المسجد فوجد معاذاً عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم
يبكى! فقال: ما يبكيك؟ قال: حديث سمعته من رسول الله: " اليسير من الرياء شرك، ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة، إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء، الذين إن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى يخرجون من كل غبراء مظلمة ".
أجل إن الله يحب أولئك العاملين فى صمت، الزاهدين فى الشهرة والسلطة، المشغولين باللباب عن القشور، المتعلقة قلوبهم بالله، لا تحجبهم عنه فتنة ولا تغريهم متعة.
وما أفقر أمتنا إلى هذا الصنف المبارك، بهم ترزق وبهم تنصر.
إلا أن بعض العبادات الأصلية ما تتم إلا فى جو العلانية والظهور كالتعلم والدعوة والقضاء والجهاد، بل إن قيام الأركان الأساسية يتطلب ذلك، وهنا تؤكد خطورة النية المصاحبة فى تقويم أى عمل صحة وقبولاً.
وقد كان أبو بكر يقوم الليل فيقرأ سراً، وكان عمر يقوم فيقرأ جهراً، فلما سئل

الصفحة 243