كتاب قذائف الحق

فليست الأيدى والأبصار هذه الأعضاء والحواس التى يشترك فيها العباقرة والدهماء، ولكنها القدرة والمعرفة!
وهل يتقدم من يتقدم، ويتأخر من يتأخر إلا بهذا التفاوت البعيد فى الهمم والثقافات؟؟
وندع الحديث عن هذا الفريق الذى رفع الله ذكره إلى الفريق الآخر الذى أسدل على أسماء رجاله ستار كثيف فما يعرفهم إلا ربهم.
من يدرى؟ لعل هذا تكريم وتثبيت للذين يعملون حتى الممات بعيداً عن الأضواء، إنهم أسمعوا من يناجون! ولن يضيع من عملهم مثقال ذرة وإن جهل الناس من هم
لهم أسوة حسنة فيمن حكى القرآن أنباءهم وترك ـ غير نسيان ـ أسماءهم.
من هؤلاء مؤمن آل فرعون الذى أحس نية الغدر بموسى والتآمر على قتله، فاصطنع أسلوب المحايد فى عرض نصحه وتفكيره قائلاً:
ما خطورة أن يؤمن أحد بالله، أو يزعم أنه يحمل رسالة من لدنه:
ـ إن كان كاذباً فستفضحه الأيام، ولن يضر إلا نفسه.
ـ وإن كان صادقاً فإن العدوان عليه استهداف لعقاب الله الكبير، وليس من العقل التعرض لعقاب الله.
واستتلى يقول: قد نكون اليوم أقوياء غالبين، ولكننا بشر لا نفلت من أصابع القدرة العليا عندما تقبض علينا فلا ينبغى أن نجور على عباد الله..
قال تعالى مخلداً دفاع هذا المحامى المؤمن:
" وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه: أتقتلون رجلاً أن يقول ربى الله، وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟! وإن يك كاذباً فعليه كذبه، وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذى يعدكم، إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب. يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين فى الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا.. قال فرعون: ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد " [غافر: 29] .

الصفحة 245