كتاب قذائف الحق

" لقد خرجت فى المرة الأولى غاضباً لله فما كان أحد يقدر على منعك! أما هذه المرة فقد أتيت غاضباً للدنيا التى فاتتك، فما لك مهابة، ولا تستطيع بلوغ إربك فارجع عاجزاً مخذولاً.. ".
إن الغزو الثقافى للعالم الإسلامى استمات فى محو الإيمان الخالص وبواعثه المجردة، استمات فى تعليق الأجيال الجديدة بعرض الدنيا ولذة الحياة، استمات فى إرخاص المثل الرفيع وترجيح المنافع العاجلة..
ويوم تكثر النماذج المعلولة من عبيد الحياة ومدمنى الشهوات فإن العدوان يشق طريقه كالسكين فى الزبد، لا يلقى عائقاً ولا عنتاً..
وهذا هو السبب فى جؤارنا الدائم بضرورة بناء المجتمع على الدين وفضائله، فإن ذلك ليس استجابة للحق فقط، بل هو السياج الذى يحمينا فى الدنيا كما ينقذنا فى الآخرة..
إن ترك صلاة ما قد يكون إضاعة فريضة مهمة، واتباع نزوة خاصة قد تكون ارتكاب جريمة مخلة، لكن هذا أو ذاك يمثلان فى الأمة المنحرفة انهيار المقاومة المؤمنة والتمهيد لمرور العدوان الباغى دون رغبة فى جهاد أو أمل فى استشهاد، ولعل ذلك سر قوله تعالى " فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً " [مريم 59] .
إن كلمة الجهاد المقدس إذا قيلت ـ قديماً ـ كان لها صدى نفسى واجتماعى بعيد المدى، لأن التربية الدينية رفضت التثاقل إلى الأرض والتخاذل عن الواجب، وعدت ذلك طريق العار والنار وخزى الدنيا والآخرة.
وهذه التربية المغالية بدين الله، المؤثرة لرضاه أبداً هى التى تفتقر إليها أمتنا الإسلامية الكبرى فى شرق العالم وغربه.
وكل مؤتمر إسلامى لا يسبقه هذا التمهيد الحتم فلن يكون إلا طبلاً أجوف!
والتربية الدينية التى ننشدها ليست ازوراراً عن مباهج الحياة التى تهفو إليها نفوس البشر، ولكنها تربية تستهدف إدارة الحياة على محور من الشرف والاستقامة،

الصفحة 252