كتاب قذائف الحق

واقرأ هذه الكلمات أيضاً فى المقال المترجم: " رب رجل وقع من الحياة فى مثل الأرض الموحلة فكادت تبتلعه، ولكنه ظل يجاهد للنجاة مستيئساً، وبينا هو كذلك انهارت قواه وشق عليه الجهاد وأسرعوا به إلى الطبيب.. الطبيب لم يجد بجسده علة ظاهرة. كل ما يحتاج إليه الرجل ناصح يعلمه كيف ينازل الحياة وجهاً لوجه لا تثنيه عقبة ولا رهبة ".
إن هذا الكلام يذكرنى بما روى عن جعفر الصادق: من طلب ما لم يخلق تعب ولم يرزق! قيل وما ذاك؟ قال: الراحة فى الدنيا.
وأنشدوا:
يطلب الراحة فى دار الفنا
خاب من يطلب شيئاً لا يكون
إن التربية التى ننشدها نحن المسلمين ليست بدعاً من التفكير الإنسانى الراشد، إنها صياغة الأجيال فى قوالب تجعلها صالحة لخدمة الحق وأداء ضرائبه، واحتقار الدنيا يوم يكون الاستمساك بها مضيعة للإيمان ومغاضبة للرحمن..
والاستعمار يوم وضع يده على العالم الإسلامى من مائة سنة صب الأجيال الناشئة فى قوالب أخرى، نمت بعدها وهى تبحث عن الشهوات وتخلد إلى الأرض، فلما ختلها عن دينها بهذه التربية الدنيئة استمكن من دنياها فأمست جسداً ونفساً لا تملك أمرها، ولا تحكم يومها ولا غدها..
بل إنها فى تقليدها للعالم الأقوى تقع فى تفاوت مثير:
عندما ننقل المباذل ومظاهر التفسخ فى الحضارة الغربية ننقلها بسرعة الصوت، أما عندما ننقل علماً نافعاً وخيراً يسيراً فإن ذلك يتم بسرعة السلحفاة.
وكثير من الشعوب الإسلامية تبيع ثرواتها المعدنية والزراعية بأكوام من المواد المستهلكة وأدوات الزينة والترف مع فقرها المدقع إلى ما يدفع عنها جشع العدو ونياته السود فى اغتيالها وإبادتها!
وظاهر أن هذا السلوك استجابة طبيعية لأسلوب التربية الذى أخذت به منذ الصغر، وأثر محتوم لاتخاذ القرآن مهجوراً، ونبذ تعاليمه وقيمه، وهل ينتج ذلك إلا طفولة تفرح باللعب المصنوعة والطرف الجديدة والملابس المزركشة، والمظاهر الفارغة؟

الصفحة 254