كتاب قذائف الحق

والفتن التى لا شك فى وقوعها والتى طال تحذير الإسلام منها فتنة التهارش على الحكم والتقاتل على الإمارة ومحاولة الاستيلاء على السلطة بأى ثمن، وما استتبعه ذلك من إهدار للحقوق والحدود، وعدوان على الأموال والأعراض.. وهذا المرض كان من لوازم الطبيعة الجاهلية التى عاشت على العصبية العمياء..
والعرب فى جاهليتهم ألفوا هذا الخصام والتعادى، فهم كما قال دريد بن الصمة:
يغار علينا واترين فيشتفى
بنا إن أصبنا أو نغير على وتر
قسمنا بذاك الدهر شطرين بيننا
فما ينقضى إلا ونحن على شطر
وما رواه أحمد عن تميم الدارمى يؤيده ما رواه عن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا يبقى على وجه الأرض بيت مدر ولا وبر إلا دخلته كلمة الإسلام يعز عزيزاً ويذل ذليلاً، أما الذين يعزهم الله فيجعلهم من أهلها وأما الذين يذلهم الله فيدينون لها " [رواه ابن حبان كما فى الزوائد للهيثمى رقم (1621) وجماعة. راجع الأحاديث الصحيحة للألبانى (1 / 7) ] .
وكذلك ما رواه عن قبيصة بن مسعود: صلى هذا الحى من محارب ـ اسم قبيلة ـ الصبح، فلما صلوا قال شاب منهم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنه ستفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها، وإن
عمالها ـ أمراءها ـ فى النار إلا من اتقى وأدى الأمانة ".
ويقول صاحب المنار فى نهاية تفسيره لقوله تعالى: " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم.. ": اعلم أن الاستدلال بما ورد من أخبار وآثار فى تفسير هذه الآية لا يدل هو ولا غيره من أحاديث الفتن على أن الأمة الإسلامية قد قضى عليها بدوام ما هى عليه الآن من الضعف والجهل كما يزعم الجاهلون بسنن الله اليائسون من روح الله، بل توجد نصوص أخرى تدل على أن لجوادها نهضة من هذه الكبوة، وأن لسهمها قرطة بعد هذه النبوة كالآية الناطقة باستخلافهم فى الأرض ـ سورة النور ـ فإن عمومها لم يتم بعد، وكحديث " لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً، وحتى

الصفحة 259