كتاب قذائف الحق

أما التربية فهى الإفادة من هذا التقدم لتزكية الشخصية وتهذيب سلوكها..
والتربية الدينية نوع خاص من البناء المعنوى يجعل المرء متجهاً بقواه كلها إلى غاية معلومة وضابطاً لحياته وفق نظام مرسوم..
وهذا النوع من التوعية الدينية معدوم فى بعض الجامعات محارب فى بعضه، معترف به ومعترف بغيره فى بعض ثالث، وربما قدم نصيب محدود منه فى جامعة الأزهر! والأصل فى التربية تعهد الأخلاق، ولما كان الخلق ـ بالتعريف العلمى ـ هو عادة الإرادة فإن المفروض فى برامج التربية:
أولاً: أن ترسم الوجهة للسلوك المنشود.
ثانياً: أن تدرب الأفراد على هذا السلوك، وتأخذهم به أخذاً مستمراً حتى يصبح طبعاً لهم وصبغة ثابتة فيهم، فالمربى أشبه بالزارع الذى يتولى البذر والحرث والسقيا والحماية والإخصاب والانتقاء حتى تنضج الثمرة وتؤتى أكلها كل حين بإذن ربها.
والطالب الذى يمر بهذه الأدوار، يصاغ فى قوالب معروفة الشكل والصورة، فإذا ربى على الصدق صعب عليه الاختلاق والتخريف، وإذا ربى على الأمانة انزعج من العوج والغدر.
وفى أثر التعود واستقامة الوجهة يقول الشاعر:
تعود بسط الكف حتى لو أنه
ثناها لبخل لم يتطعه أنامله!
ويقول آخر:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا
على ما كان عوده أبوه!
وقد ربى الله محمداً صلى الله عليه وسلم ليربى به العرب، وربى العرب ليهذب بهم العالم أجمع " لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين ".
وكلمة التزكية تعنى التربية والتسامى بالنفس وامتلاك الهوى.
وذلك معنى الآية " ونفس وما سواها. فألهمها فجورها وتقواها. قد أفلح من زكاها. وقد خاب من دساها".

الصفحة 300