كتاب فصول في الثقافة والأدب

يجتمعون فيه؟ وتمنيت لو أن اللصوص والمفسدين في الأرض اجتمعوا في مكان محصور، إذن لهان الوصول إليهم وإصلاحهم أو القضاء عليهم. ولو اجتمع البعوض كله في موضع واحد لقُضي على البعوض، لأن نجاته في تفرّقه واختفائه، وأنه يضرب ويهرب ويضرّ ويفرّ فلا يوصَل إليه.
وشرٌّ من الحشرات والبعوض وجراثيم الأمراض قومُ بيغن وشامير، واجتماعُهم في فلسطين من بشائر القضاء عليهم وأن نرى تأويل قوله تعالى فيهم (وقولُه الحق): {وَقَضَيْنا إلى بَني إسْرَائيلَ في الكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ في الأرْضِ مَرّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوَّاً كَبيراً. فإذا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنا أُولي بَاسٍ شَديدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيارِ، وكانَ وَعْداً مَفْعُولاً}.
الأولى التي بعث الله عليهم عبادَه المؤمنين به المُخلصين له هي التي كانت على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام وصحابته، الذين جاسوا خلال الديار التي حسبوها يوماً ديارهم (في المدينة)، ثم أُجْلُوا عنها وعن جزيرة العرب فلن يعودوا بعون الله إليها.
{ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأمْدَدْناكُمْ بأَمْوالٍ وبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أكثَرَ نَفيراً}؛ وهذا ما نراه الآن، حين اجتمع في أيدي اليهود -على قلّتهم- أمضى السلاح، وناصرهم أقوى الدول، وجعلهم الله أكثر نَفيراً في الحرب. ولكن الله يمهّد بذلك للمسلمين -إن عادوا إلى دينهم- لِيَسوؤوا وجوههم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة.

الصفحة 12