كتاب فصول في الثقافة والأدب

إلى ما هو مُباح وما هو مذموم. وشرح اختلاف العلماء في العلم الذي هو فرض عين في حديث «طلب العلم فريضة على كل مسلم»، وذهب فيه مذهباً وسطاً، وقال بأن العلم المفروض يختلف باختلاف الأشخاص واختلاف الأزمنة والأحوال، فمَن أسلم ضُحى من نهار وجب عليه أن يعرف ما يصحّ به إيمانه، فإذا كان الظهر وجب عليه معرفة الوضوء والصلاة، فإن أدركه رمضان وجب عليه معرفة أحكام الصيام، فإن امتلك النصاب وجب عليه معرفة أحكام الزكاة ... ومن أراد زيادة الوقوف على رأيه فليرجع إلى كتبه: «الإحياء» و «فاتحة العلوم» وكتاب «ميزان العمل».
وقسّم العلوم باعتبار أصلها إلى شرعية وغير شرعية، فغير الشرعية منها ما هو عقليّ كالرياضيات، أو تجريبي كالطب، أو سماعي كاللغة. والشرعية تقسم عنده إلى أصول وفروع ومقدّمات ومتمّمات.
تصنيف ابن خلدون: قسّمها إلى «طبيعية» يهتدي إليها الإنسان بفكره، و «نقلية» يأخذها عمّن وضعها. فالطبيعية هي العلوم الحكمية الفلسفية، وهي عامّة لجميع البشر. ويلاحَظ أن الفلسفة على عهد ابن خلدون كانت تنتظم العلومَ كلها، أي أنها كانت لها كالأم الحاضنة للأولاد الصغار، فكلما كبر علم استقلّ عنها، وآخر علم استقلّ (أو كاد) هو علم النفس. وصارت الفلسفة في أيامنا قاصرة على مسائل المغيَّبات (الميتافيزيقا). وقال إن العلوم النقلية مستمَدّة من الخبر إلى الواضع الشرعي، وهي خاصّة بالمسلمين ولا مجال للعقل فيها إلاّ في إلحاق الفروع بالأصول، وأصلها الكتاب والسنة.

الصفحة 288